آدم بيسا ممثل تونسي صرخ صرخته الأولى في فرنسا ورسم فيها ملامح طفولته وشبابه ولكن وصله مع تونس لم ينقطع يوما إذ يزورها في العطل ويحرص على التواصل مع أفراد عائلته الموسعة، وفق حديثه مع رياليتي أون لاين، في لقاء على هامش عرض الفيلم في مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي.
هذا الممثل يؤدي دورا في فيلم حرقة للمخرج المصري لطفي ناثان يوحي بمدى حرصه على الإلمام بكل تفاصيل الشخصية قبل تقمصها حتى تخال أنه عايشها في حياة أخرى، هو دور "علي" بائع بنزين مهرب تدور حياته حول هذه المادة التي يغتسل بها الراغبون في الرحيل قبل أن يطلقوا العنان للنار حتى تحرق أجسادهم.
من بائع بنزين مهرب إلى مهرب للبنزين يصارع "علي" الحياة كل يوم في رحلة البحث عن وجهة أخرى لا تهميش فيها ولا ظلم ولا استغلال ويسطر آدم بيسا خط سير لشخصيته يتلون فيه الأداء على إيقاع الوضع الراهن الذي تعيشه تونس.
وجه يختزن القسوة والقهر، بشرة تحاكي لون التربة المقاومة، وعينان تتقدان غضبا وثورة، وجسد ألف الوجع واعتاد البرد، وصوت تسري فيه صرخات الحانقين ذات ثورة، بعض التفاصيل التي توحي بقدرة آدم بيسا على نسج ملامح صادقة للشخصية.
بأداء متغير وقدرة على الانتقال بين الانفعالات، يجسد بوعزيزي جديدا بعد ما يزيد عن العقد من اندلاع الثورة التونسية، يظهر مكامن وجعه يغوص في دواخله ويجول بين أحلامه وخيباته ويشرعه معه باب الأمل قبل أن يوصده حينما سقى جلده بالبنزين في سياق عنوانه العبث.
مشاعر كثيرة وحالات نفسية عبر عنها الممثل وهو يتماهى مع الشخصية التي خلقها بنفسه، شخصية قال في حديثه معنا إنها ليست غريبة عنه إذ تنحدر عائلته من حي شعبي كما أن كثيرا من أقاربه هاجروا بطريقة غير نظامية.
ولم يكتف بما تحمله ذاكرته من تفاصيل قد تسقي هذه الشخصية بل انعزل عن العالم الخارجي لمدة ثلاثة أسابيع حاول خلالها رسم صورة أولية لها قبل أن يتوجه إلى سيدي بوزيد حيث جالس "الكناطرية" (المهربين) واقتبس منهم اللهجة والحركات وأساليب عيشهم.
وعن هذه التجربة، يقول إنه مهما تخيل الشخصية لن تكون كما تمثلها في لقاءاته مع الكناطرية ليظهر علي كما شاهده الجمهور في عرض الفيلم في مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي ضمن المسابقة الرسمية وليحظى آدم بيسا بتجارب لا تتيحها إلا السينما، على حد تعبيره.
وفيما يخص تلقيه لحدث الثورة وإحساسه حينها، يشير إلى أن مشاعره كانت معقدة لا يمكن تفسيرها إذ صُدم واستغرب كما فرح وأحس بالفخر لما أتاه الشعب التونسي الذي صار حديث العالم وإلى أنه كان ينظر إلى الثورة من خارجها ويرسم تطلعات أخرى.
وعما إذا كان فيلم "حرقة" مجالا للاطلاع على بعض من الثورة من داخل سياقها خاصة وأن التصوير تم في سيدي بوزيد، يلاحظ أن السينما كانت ومازالت تتيح له الفرصة ليختبر أحاسيس ومشاعر لم يختبرها من قبل وتنير له بعض الزوايا المظلمة.
وأما ما علق بذهنه من زيارة سيدي بوزيد وتحضيره للشخصية والتصوير في المكان الذي اندلعت فيه الشرارة الأولى لثورة تبددت معالمها في عند مفترق الطريق إلى وضع مغاير، يقول آدم بيسا إنه لن ينسى المواقف التي تحكي استقلالية متساكني الجهة وحريتهم وإقدامهم دون مراعاة لحاجز الخوف.
وفيما يخص علاقته بالسينما وهو القادم من عوالم أخرى، يؤكد أنه لا يفعل أي شيء إلا بوجود الشغف فهو لا يفكر في المال ولا آراء الناس هو فقط يفعل ما يؤمن به ويحاول أن يتمكن منه لتنفتح أمامه كل الأبواب، على حد قوله.
مجالات كثيرة استهوت آدم بيسا من الكرة إلى الحقوق من ثم السينما التي غاص في تفاصيلها واطلع على كتابات في المجال وشاهد عديد الأفلام والتقى بعاملين في المجال وسعى للتعلم كثيرا في هذا المجال الذي يغذي فضوله ويتيح له سماع قصص عن الآخرين وعاداتهم وأساليب حيواتهم.