على قِصَرِ قصصه، نجح الصحفي والكاتب محمد علي خليفة في صفحات، تجاوز عددها المائة بقليل، في نقل مشاهد وتجارب إنسانية عاشها عدد من أبناء هذا الوطن في ظرف زمني مخصوص هو زمن الكورونا أو الوباء الماحق الذي أزهق أرواح مئات الآلاف من البشر. هو زمن الآلام وتقاطعها والأحزان وتشابكها والشجون وترادفها والأزمات وتعاظمها.
هو زمن رصد فيه مؤلف "آلام متقاطعة" (Maux croisés) الصادر عن دار الوطن العربي للنشر والتوزيع، "ما خلّفته تلك الأزمات من آثار نفسية ونقل لما مرّت به عدّة عائلات تونسية من تجارب مريرة تتقاطع فيها الكثير من التفاصيل المؤلمة على الرغم من اختلاف الحالات وسياقاتها".
هي آلام تقاطعت في حدّتها وتأثيرها على صيرورة زمنية في حياة المجتمع التونسي الذي عاش على وقع أزمة صحية كونية ربما لم يسبق لها مثيل، ولعل الشخصية التي حاكاها كاتبنا في أولى قصصه التي حملت اسم هذه المجموعة قد عبّرت تماما عن خطورة هذه المرحلة التي انبنى عليها تقريبا الجزء الأكبر من البناء السردي. حيث يقول الجد، الشيخ أحمد : " لقد عشنا من قبل عام الشر وعام الفيضانات وعام الزمّة ولكن لم نسمع بوباء بمثل هذه الخطورة وهذا الانتشار. ولم نر ما دفعنا من قبل الى أن نلزم بيوتنا ونعتصم بها… حتى الصلاة منعنا من أدائها في المساجد…".
هي تمظهرات مجتمعيّة معقّدة ولافتة دفعت كاتبنا، صاحب "ورقات انتقالية : محطّات من تجربة الانتقال الديمقراطي في تونس"( 2016)، الى تسليط الضوء عليها وحياكتها في شكل قصصي جديد بالنسبة له باعتبارها "تجربة أولى للكتابة في هذا الجنس الأدبي".
الصحفي محمّد علي خليفة الذي تمرّس على العمل الميداني داخل أسوار مدرسة الصحافة العريقة "دار الأنوار" قدّم لقرائه خلال التجربة الجديدة "نصوصا دافئة تجمع بين القصة القصيرة والقصيرة جدا ونصوصا هي أقرب الى الخواطر منها الى القصص أو الأقاصيص". هي نصوص جامعة لمشاعر متصارعة وسياقات متضاربة اجتمع فيها الحب والألم، الموت والحياة، الحزن والسعادة… ثنائيات لطالما عبّدت الطريق أمام هذه النصوص لتنساب في ذهن القارئ وتترسّخ عبرها في ذهنه.
ولعلّ ما يميّز هذا الجنس الأدبي الذي اعتمده محمد علي خليفة هو التقصير في النصوص الى درجة "الإجحاف" أحيانا و"التعسّف" أحيانا أخرى على القارئ الذي ما إن تعتمل في نفسه الرغبة في التماهي مع الشخصية ومحاكاتها حتى يجد نفسه "مدحورا" عن قصّة شغلته وشخصيّة تملّكته. والفضل في ذلك يعود إلى أسلوب الكاتب الذي تميز بالانسياب والسلاسة ومحاكاة الواقع إلى درجة " يجد القارئ فيها ذاته مبثوثة في شخصية ما من شخصيات هذه القصص، معبّرة عنه أو عن شيء يودّ لو أنّه أبلغه بشكل ما…"
"آلام متقاطعة" الذي تم تقديمه يوم 20 ماي الجاري على هامش الصالون الدولي للكتاب بسوسة، هو أيضا نص ذو بعد "تأريخي" و"توثيقي" ذلك أن جزءا من قصصه الثماني عشرة وردت بمثابة محاكاة لقصص واقعية وحالات وتجارب عاشتها شخصيات كانت ضحيّة لظروف اجتماعية مريرة وقعت في سياق مكاني معلوم وزمني محدّد. وهو ما حدا بكاتبنا إلى أن يمرّر العديد من الرسائل الناقدة حينا والحائرة حينا آخر وباحثة عن استفسارات أو استنتاجات لمسائل تعتمل في نفسه وتغازل تفكيره وهي المسائل ذاتها التي تقض مضجع كل مثقّف بل وكل مهتم بالشأن العام.