أثار بلاغ وزارة الشؤون الثقافية الخاص بأيام قرطاج السينمائية موجة من التفاعلات من قبل عدد من الفاعلين في المشهد الثقافي، إذ نسف في بعض جوانبه ثوابت المهرجان الذي أسسه الطاهر شريعة وبث فيه روحا إفريقية وعربية.
بلاغ الوزارة الذي أتى بعد طول انتظار ليجيب عن تساؤل ظل معلقا لأكثر من ستة أشهر حول تثبيت فكرة تنظيم المهرجان كل سنتين من عدمها، حمل في طياته سما مدسوسا في الدسم.
الجميع انتشى بالإعلان عن دورة لسنة 2023 والبعض توقف عند ذلك لكن في الكلمات اللاحقة تتجلى نية مبيتة لتغيير طابع المهرجان في هذه الدورة التي قررت الوزيرة أن تكون ذات طابع تونس وكانت مائوية السينما التونسية الشماعة.
"تونسة" المهرجان الذي افتك مكانته في خارطة المهرجانات العالمية وكان سباقا في التصورات والرؤى منذ سنوات خلت يعد بمثابة الرصاصة التي تنهي حياته وسط تمييز عديد المهرجانات من حوله.
والحديث عن هذا الأمر ليس من قبيل المقارنة الفضفاضة ولكن من باب الغيرة على مهرجان أيام قرطاج السينمائية، هذا المهرجان العريق الذي يمتد في العمق الإفريقي والعربي وتمتد فروعه إلى كل العالم.
الحديث عن دورة خاصة بالسينما التونسية أثار الكثير من النقاشات في صفوف المتابعين للسينما السينمائي في تونس وذهبت الأغلبية إلى أنه من قبيل العبث والعودة إلى الوراء.
ورفض هذ القرار لا يعد تحاملا على السينما التونسية التي باتت تعاني في السنوات الأخيرة بعد أن تفتحت براعم الإنتاج ولكنها مازالت تقاوم غياب الاستراتيجيات والتصورات، وإنما هو التزام بثوابت المهرجان الذي يحمل في طياته خصوصيات كثيرة.
الالتزام والنضال والمقاومة وللاعتزاز بالهوية الإفريقية، بذور نثرها العظيم الطاهر شريعة وماتزال مزهرة إلى اليوم في كل الأصوت التي رفضت المساس بأسس المهرجان وثوابته وبلغ صداها وزارة الشؤون الثقافية.
وعلى وقع الرفض الذي عقب بلاغ الوزارة يبدو أنه لم يكن للوزيرة من منفذ سوى تعديل المنشور الذي أعاد الدر إلى معدنه واستجاب إلى موجة الرفض ولكن ذلك لا يطمس بأي شكل من الأشكال سيل العبث.
فمن غير المعقول وغير المنطقي أن تقوم الوزارة بتعديل منشور البيان وتغيير جوهر فحواه وكأن الأمر يتعلق بتدوينة فايسبوكية على صفحة خاصة..
ألم يكن من الأجدر أن تحفظ الوزارة ما تبقى من ماء الوجه وتصدر بلاغا ثانيا تفسر فيه وجهة نظرها وأنها استجابت للأراء الرافضة للبلاغ الأول؟؟
ألم يكن من الأسلم أن يكون التعديل في بلاغ مستقل عن الاول ليتسنى لوسائل الإعلام التعامل معه بمهنية إذ أن العديد منها تناقل البلاغ الأول؟؟
قد يبدو للبعض أن الأمر عادي، وقد يهلل البعض الآخر للعدول عن القرار الأول ولكن حيثيات تعديل البلاغ مثيرة للسخط والغضب لأنها تنم عن عدم مهنية وعدم مسؤولية بل وعدم احترام للمتلقي مهما كانت صفته..
وإن دل هذا الأمر على شيء فإنما يدل على غياب رؤية اتصالية تجنب المسؤولين كل هذا الإحراج وتضع حدا للعبث والارتجالية وغيرها من مظاهر الأزمة التي تعيشها تونس في مجالات مختلفة.