أكتب إليك من الأرض التي تركت عليها أثرك محبة لن تنضب..
أكتب وأعلم أن صدى كلماتي يصلك إلى العلياء حيث تستقر كما النجوم تهدينا إلى سبيل المحبة والفن والحياة..
أكتب إليك وأنا أقف عند مفترق طرق.. أقف بين حزن عميق يسكن قلبي وبين رضا ملؤه اليقين بأنك سعيد حيثما ذهبت..
أكتب إليك بعد أمسية اقتنعتُ فيها أنني أنتمي إلى عوالمك حيث الهامش سيد الموقف وحيث المحبة أغلى العملات وحيث الإنسان أسمى من كل شيء..
عائلتك أصدقاؤك ورفاقك وكل من قاسمتهم المواقف والأفكار والعواطف حضروا وعبر كل منهم عن حبه لك بطريقته وكنت حاضرا في كل التفاصيل..
رحل جسدك قطعا لكن روحك كانت تحوم حولنا بل إنها تسكننا تربت على قلوبنا وتكفكف دمعنا وتلهمنا الصبر كما كنت تفعل دائما..
يبدو أننا لا نبكيك أنت يا ياسر لأنك موجود فينا وفي كل التفاصيل من حولنا بل نبكي أنفسنا لأننا نحتاج جدا لصوتك حينما يطمئننا وحضنك حينما يحتوينا..
كل تلك الأحضان التي ارتميتُ فيها اليوم يا ياسر كانت بعضا منك لكنها جميعا متحدة لا تضاهي حضنك بيد أنها تخفف الوجع قليلا..
في الطريق إلى ابن رشيق كنت أدرب نفسي على الصمود وكنت أتفاوض مع دمعي حتى لا يتساقط في حضرة روحك.. أعلم أنك لا تحب رؤيتي منكسرة..
أتذكر ذلك اليوم الذي شكوت لك فيه وجعي واغترابي وأوشكت على البكاء فأمسكت يدي حينها حتى لا أسقط وأخبرتني أنها سحابة عابرة وأنني ابنة الفرح والأمل..
حينما دعتني حذامِ وأسماء إلى الأمسية كنت مرتبكة جدا.. لا أريد أن أخون عهدي لك بألا أستسلم وألا أيأس ولا أريد أن أدخر أي دمعة بعد رحيلك..
لا أستوعب رحيلك بعد.. كنت أراك في كل الوجوه وكل الابتسامات.. عانقتُ كل من صادفني الأصدقاء منهم وغير الأصدقاء.. كنت أبحث عن بعض الأمان .. ما انفكت الموت تسلبني الأمان..
عانقتُ فريال وشقيقتك التي تحب لعل تلك الشرارة الملتهبة داخلي تخمد.. خاب ظني. كل تلك المحبة التي فاضت في دار الثقافة ابن رشيق زادت في ارتباكي.. كم هو موجع رحيلك .. كم هو قاس أن نشعر بحضورك ولا نعانقك..
شيماء وحذامِ وكل الذين وهبتهم الأمل حضروا.. دوى اسمك في الأرجاء يا ياسر واقترن بالمحبة وصار لركح ابن رشيق لسان نطق بكل صولاتك عليه..
الشهادات عن ياسر الفنان والإنسان تناثرت كالورود على الركح وأزهرت مع كل آهة ودمعة وصرخة وجع مكتومة.. إنه من طينة الملائكة لا تذكر له أذية ولا شر …
كلمات نابعة من القلوب تهاطلت بدل الدمع وأرّخت لمسيرة رجل استثنائي.. كم تمنيت لو توقف الزمن عند لقائنا الأخير.. كم تمنيت أن أراكم مزيدا من الذكريات معك ..
سندس زروقي وعزيز عمامي وأسماء بن يعقوب وأيوب الجوادي ودرصاف بوقرة ومحمد ياسين التركي ونجوى ميلاد وعمر بن براهيم ونجم بن يوسف ومحمد علي قيزة كلهم تحدثوا عنك واجمعوا أنك لا تتكرر..
كلما تحدث أحدهم عن موقف ما تخيلته بكل تفاصيله عبر روحك الشفافة يا ياسر وقلبك المحب…
فريال حملت دفترك على الركح قرأت بعضا من كلماتك وتحدثت بلسان ابنة الأخت التي تعشق خالها والصديقة والرفيقة…
الجميع كان ممتلئا بك يا ياسر، أحمد العطافي حمل غيتارتك التي كتب عليها فلسطين حرة..
ملأته بك قبل الرحيل ، كنت حاضرا في صوته وفي أدائه وفي أنامله إذ داعبت أوتار الغيتارة..
كما تفعل دوما دعا أحمد مريم بحري إلى الركح وعلا صوتاهما في حضرتك..
روضة عبد الله غنت لك بصوت توشحه العبرات وأخبرتك أنها لا تملك غير قلب يحبك وقليل من الأغنيات.. ومن يعرفك يعرف أن المحبة والفن يسعدانك كثيرا..
بديعة بوحريزي غنت لك ولرفاقك “إن شخت كالجذع يوما” و”كيوف” أرسلت لك السلام على طريقتها و”عيون الكلام” قالت الكثير عن فلسطين وعن ياسر..
لم يكن ياسر فقط حاضرا في ابن رشيق، لينا بن مهني أيضا، عمار مطاوع، جاد الهنشيري، مالك الصغيري، وخلدون بن صالح لمحت طيفه بالقرب من غيتارة شقيقه مروان..
كل الذين رحلوا وتركوا فينا الأثر أحسست بوجودهم في كلمات الأغاني وفي الموسيقى وفي الشهادات التي راكمت تجارب جيل من عشاق تونس وترابها..