يرى أستاذ الاقتصاد بالجامعة التونسية، رضا الشكندالي، ان تضرر القطاع الفلاحي جراء نقص المياه في تونس او ما يعرف بالإجهاد المائي يمكن ان يكبد تونس ما بين 0.3 نقطة و0.4 نقطة على مستوى النمو الاقتصادي لسنة 2023 .
وارتفع الاجهاد المائي، وفق منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة، الى مستويات مرتفعة للغاية في آسيا الوسطى والجنوبية بما يعادل 76.5 و 80.3 في المائة على التوالي ويعد حرجا بدول شمال افريقيا ويصل الى 120 بالمائة.
وتسلط وكالة تونس افريقيا للأنباء "وات"، في حوار مع الشنكدالي الضوء على مخاوف مجلس البنك المركزي التونسي من تأثير الإجهاد المائي على النمو وتبحث في حقيقة تأثير ندرة المياه على النمو وحالات الجفاف التي واجهت تونس سابقا.
وات – مجلس إدارة البنك المركزي التونسي يربط النمو في بعض جوانبه بالإجهاد المائي كيف يحصل الأمر؟
الشكندالي: أفضت التغيرات المناخية على مستوى العالم الى نوع من الازمة على مستوى إمدادات الغذاء وعلى الإنتاج الفلاحي وخاصة المواد الاستهلاكية التي تحتاجها تونس، ما أدى الى ارتفاع أسعارها خاصة في ظل تراجع الإنتاج العالمي وتضرر سلاسل الإمداد للمنتوجات الفلاحية.
وقد أسهمت هذه الظاهرة في ارتفاع الأسعار، وفي تونس ادى ذلك الى تراجع احتياطي البلاد من العملة الأجنبية الى مستوى 95 يوم توريد، وبالتالي فان تونس مطالبة بتوفير المزيد من الموارد من العملة الأجنبية وهو امر زادت من حدته صعوبة التوصل الى اتفاق مع صندوق النقد الدولي لتعبئة 1.9 مليار دولار على أقساط .
وأريد ان أعرّج على مسالة ذات أهمية كبيرة وهي ان تونس، لم تضع ما يكفي من الخطط لمجابهة التغيرات المناخية خاصة وانها من الدول الموردة للغذاء والتي تعتمد في إنتاجها الفلاحي على الامطار وتخزين الموارد المائية في السدود، وبالتالي فان تونس تعول على الموارد المتاحة من المياه لإنعاش القطاع الفلاحي ومن ثمة تحقيق نمو اقتصادي من خلال توفير عائدات من تصدير مواد فلاحية على غرار زيت الزيتون والتمور وتحقيق مستويات إنتاج، وإن لم تكن كافية، من الحبوب.
وأضيف ان الدولة، لم تنظر الى القطاع الفلاحي على انه قطاع استراتيجي ولم تبادر الى وضع الخطط الكافية لمجابهة تغيرات المناخ ونقص المياه، لذا فان الأوان آن، لتنظر الى قطاع الفلاحة من منظور جديد قائم على البعد الاستراتيجي لهذا القطاع .
ويتعين علينا في تونس ترتيب الأولويات، من خلال الارتقاء بملف الفلاحة، الى مرتبه الأولوية القصوى خاصة وأنها تأخرت عن ركب دول كثيرة دفعت قطاع الفلاحة الى مرتبة القطاع الاستراتيجي بعد ازمة كوفيد 19 وتضرر سلاسل الامداد بفعل الحرب الروسية الاوكرانية وليس ادل على ذلك من نسبة النمو السلبية للقطاع الفلاحي سنة 2021 في خضم جائحة كوفيد -19.
ويوجد الكثير من الدول التي تعيش الآن، في وضعية مريحة، بعد ان بادرت الى إعادة نظر في دور قطاعها الفلاحي ورسم سياسات فلاحية جديدة والتمكن من إنتاج الغذاء بشكل كاف.
وات : بناء على ما سبق كيف يمكن للإجهاد المائي أن يضغط على شريان الاقتصاد الوطني ؟
الشكندالي: الامر في غاية البساطة، يؤدي الجفاف الى تقلص مخزونات المياه على مستوى السدود، فتعمد الدولة الى سياسة ترشيد المياه من خلال إعطاء الأولوية الى قطاع الشرب بدل ري المحاصيل، الأمر الذى سيدفع نحو نقص في الانتاج المحلي لعدة منتوجات اساسية على غرار الحبوب والخضر والغلال، ويفضي ذلك بالدولة الى توريدها من الخارج بالعملة الصعبة، وهي عملية تنعكس على الموجودات من العملة الصعبة وتستنزفها وخاصة في بلد مثل تونس يترقب اتفاقا مع صندوق النقد الدولي لتعبئة تمويلات إضافية لميزانية الدولة لسنة 2023.
وبالتالي فان مخاوف مجلس ادارة البنك المركزي بشأن النمو الاقتصادي وخضوعه لعدة عوامل من بينها الإجهاد المائي تبقى حقيقية، في ظل نقص مخزونات المياه وانحباس الامطار، ذلك ان انخفاض نمو القطاع الفلاحي في تونس بنقطة واحدة يمكن ان يقلص كامل النمو الاقتصادي للبلاد بما بين 0.3 و0.4 نقطة. ويمكن ان يتسبب ضعف القطاعات الاخرى في مزيد تراجع النشاط الاقتصادي للبلاد ويدفع التوريد المتزايد الى عجز تجاري ما يفضى الى تأزيم الوضعية وتراجع قيمة الدينار التونسي والى تسجيل تضخم المالي.
وات : هل للخروج من بوتقة الأزمة من سياسات ؟
الشكندالي: بات من الضروري على الدولة ان تتدخل في القطاع الفلاحي من خلال وضع سياسات للحد من الكلفة ولتأمين القطاع ضد الضغوط المناخية والجيواستراتيجية، ولها في هذا المجال عدة خيارات من بينها تخفيض الاداءات المفروضة على القطاع الفلاحي والحرص على أن يذهب الدعم الحكومي الى الفلاح مباشرة والتقليص من الوسطاء والمتدخلين في القطاع الفلاحي.
وتحتم حالة التهرم التي يشهدها القطاع الفلاحي، لا سيما وان 90 بالمائة من العاملين فيه يعدون من فئة الشيوخ، الدفع نحو انتهاج سياسات لتشجيع الشباب للاقبال على ممارسة الفلاحة والعمل على جعل القطاع الفلاحي اكثر مردودية وربحية من خلال إقرار سياسة تقوم على السيطرة على التكاليف.وأضيف ان الدولة، لم تنظر الى القطاع الفلاحي على انه قطاع استراتيجي ولم تبادر الى وضع الخطط الكافية لمجابهة تغيرات المناخ ونقص المياه، لذا فان الأوان آن، لتنظر الى قطاع الفلاحة من منظور جديد قائم على البعد الاستراتيجي لهذا القطاع .
ويتعين علينا في تونس ترتيب الأولويات، من خلال الارتقاء بملف الفلاحة، الى مرتبه الأولوية القصوى خاصة وأنها تأخرت عن ركب دول كثيرة دفعت قطاع الفلاحة الى مرتبة القطاع الاستراتيجي بعد ازمة كوفيد 19 وتضرر سلاسل الامداد بفعل الحرب الروسية الاوكرانية وليس ادل على ذلك من نسبة النمو السلبية للقطاع الفلاحي سنة 2021 في خضم جائحة كوفيد -19.
ويوجد الكثير من الدول التي تعيش الآن، في وضعية مريحة، بعد ان بادرت الى إعادة نظر في دور قطاعها الفلاحي ورسم سياسات فلاحية جديدة والتمكن من انتاج الغذاء بشكل كاف.
المصدر: وات