"بنات عبد الرحمان"، الفيلم الروائي الطويل الأول للمخرج زيد أبو حمدان، فيه امتداد لصرخات النساء العربيات اللاتي يرزحن تعت عبء السلطة الذكورية المتلوّنة في أكثرمن مظهر.
بعد خمسة أفلام قصيرة، يأتي هذا الفيلم ليؤكّد فرادة أسلوب هذا المخرج الذي يجيد تحريك كل الخيوط دفعة واحدة وملامسة قضايا كثيرة بسلاسة وإمتاع.
والفيلم الذي رأى النور بعد سبع سنوات من الإعداد، من بطولة صبا مبارك وحنان حلو وفرح بسيسو ومريم باشا وخالد الطريفي والطفلة ياسمينة العبد، وفي تفاصيله سيل من النقد الموشح بالكوميديا والإضحاك البعيد عن السطحية والابتذال.
وللحديث عن فيلم بنات عبد الرحمان الذي انطلق عرضه في تونس في التاسع من شهر سبتمبر الماضي، وعن انتصار زيد أبو حمدان للنساء وعن جديده وعن الممثلين والممثلات الذين يرغب في التعامل معهم كان معه الحوار التالي:
في فيلم "بنات عبد الرحمان" بثثت صرخات النساء العربيات من خلال أربع شخصيات نسائية مختلفة، كيف كان اختيار الممثلات اللاتي تقمصن الأدوار بطريقة واقعية وعفوية حتى بدت المشاهد وكأنها مقتطفة من فيلم تسجيلي؟
كان لدي رؤية واضحة في عقلي وقلبي، وهو ما أطال فترة تجارب الأداء إلى أن اخترت الممثلة التي ستؤدي كل دور.. بدأت إجراء تجارب أداء قبل أن يدخل المشروع في مرحلة الإنتاج.
بالنسبة لشخصية زينب، لطالما تردد صوت فرح بسيسو في رأسي خلال كتابة السيناريو، أحببت وأعجبت بفرح لسنوات عبر شاشات التلفاز، ولكن بصراحة، لم أظن أبداً أن الأمر قد يحدث على أرض الواقع، حتى اقترحت المنتجتان صبا مبارك وآية وحوش اسمها وأعادتا إليّ الحلم مرة أخرى. لقد تخيلنا جميعاً فرح تقوم بالدور، ولكن في ذلك التوقيت كانت فرح اعتزلت منذ 6 سنوات ولم تبد متحمسة حيال العودة. تحدثت إليها و طلبت منها قراءة السيناريو، وفي النهاية تحقق الحلم. اليوم الذي قبلت فيه فرح بأداء دور زينب كان واحدا من أجمل ذكرياتي خلال صناعة هذا الفيلم.
بالنسبة لصبا مبارك فهي المنتجة المنفذة للفيلم. أجريت عدة نقاشات معها، وكانت تميل نحو شخصيتي سماح وآمال، ولكن في النهاية قررت أن أختارها لتلعب دور آمال، لأنني مدرك قوة عينيها وموهبتها التي من خلالها تستطيع أداء المشاهد من خلف النقاب. بالإضافة الى أن الدور مختلف وجديد على صبا مما كنا أنا وهي متحمسين له. وأنا سعيد بالنتيجة النهائية.
بالنسبة لدور سماح، نجمات شهيرات كن مهتمات بأداء الدور بالإضافة الى اني رأيت أكثر من 100 تجربة أداء، ولكن دائماً ما كان هناك شيء مفقود، حتى قابلت المذهلة حنان الحلو و على الفور شعرت أنها هي الملائمة لأداء دور سماح. حضرت حنان مكالمة السكايب بشعر معقود على هيئة جدائل وثياب تشبه الهيبي، وهو كنظرة أولى أمر مختلف تماماً عن سماح التي في السيناريو. ولكن بطريقة ما، أنارت تجربة أدائها شيئاً ما في عقلي، وعلى الفور أدركت أنها الممثلة التي أبحث عنها لأداء دور سماح. وقامت بعمل مذهل.
وأخيراً، مريم الباشا الموهوبة التي لعبت دور ختام، كانت هدية من السماء! قبل يومين من التصوير، اعتذرت الممثلة التي قد اخترتها لدور ختام بسبب مشاكل في مواعيد التصوير، وخلال عملية اختيار ممثلين بالغة السرعة، كانت مريم هي الجوهرة المخبأة ووقع عليها الاختيار. و لكن هذا كان بعد أن قمت بالتحضير للأدوار مع صبا وفرح وحنان لمدة 3 اسابيع. فجاءت مريم إلى عمان و ابتدأت بالعمل معها على الفور. و بالنتيجة كان أداؤها جميلا متقنا وحقيقيا.
يشبهن ومثلنا جميعاً، فرح وصبا وحنان ومريم يعرفن شخصيات في الواقع يشبهن الشقيقات في السيناريو أو يعرفن نساء تشبههن. برآيي، من أهم عوامل نجاح الفيلم و صدق النتيجة النهائية هي أنني أنا والممثلات كلنا آمنا بقضية الفيلم و الهدف من العمل.
الفيلم بإمضاء مخرج ينتصر للمرأة ويحاول كسر الصور النمطية في مجتمع مفعم بالذكورية، من أين يستمد زيد أبو حمدان هذه النظرة النسوية داخله ومن أين كون هذا الإيمان بدور المرأة في التغيير في مجتمع شرقي يبخسها حقها؟
عند ولادتي كنت الحفيد الأول في عائلتي، وهو ما جعلني مدلل نوعاً ما، أمي وأخواتها الثلاث وجدتي شاركن جميعاً في تربيتي، وفي سن صغيرة كنت عرضة للتعامل مع 5 نساء وهو ما منحني فرصة للنظر إلى الحياة المعقدة والمتشابكة للنساء من حولي، والمرأة العربية بصفة خاصة.
كل واحدة منهن كانت لديها شخصية مميزة، وهو أمر لم يختلفن فيه عن بعضهن، كن قويات، مرحات، شغوفات، ذكيات وحبهن ودعمهن لي لم يكن محدوداً. أتذكر أنني كنت أجلس على الأريكة أو الأرض أتابعهن عبر السنوات أثناء ضحكهن وبكائهن وعراكهن وتعبيرهن عن خيباتهن وطموحاتهن وأحلامهن و نجاحاتهم. ولكن خلال أحلك وأفضل لحظاتهن، برز حبهن الأخوي لبعضهن، لم أدرك الأمر حينها، ولكنني كنت مبهورا بتصميمهن على المحاولة لتحقيق ما يردنه، على الرغم من قيود المجتمعات التي كان تقف بينهن وبين تحقيق أحلامهن. لذا الاجابة المختصرة على سؤالك هي، لقد عرفت تلك النسوة جيداً، كما أنني أرسلت 300 استبيان إلى سيدات عربيات وجاءت النتائج صادمة. عديد من النساء يردن الصراخ.
لماذا استغرق الفيلم سبع سنوات من الإعداد؟ وما هي الصعوبات التي اعترضتك في التنفيذ؟
عندما بدأت كتابة بنات عبد الرحمن، كنت مدركاً لحقيقة أنني رجل وواحد من 4 أخوة يكتب عن 4 شقيقات. لطالما كنت مدافعاً عن حقوق المرأة وحقوق الناس ليكن مميزات باختلافهن ومتفردات، ليبتعدن عن قيد "لازم". ومع ذلك، أنا واع لحقيقة نشأتي في ثقافة تؤمن بوضع قيود للمرأة. لقد استغرقت إعادة كتابة السيناريو مرات عديدة وقتا لأنني كنت في حاجة إلى التأكد من انني أكتب شيئاً حقيقياً عن التجربة النسائية في المنطقة.
وبصراحة، لقد انتشر في العالم العربي خلال السنوات الماضية الكثير من المحتوى الذي كن بطلاته نساء رسمن عبر منظور ذكوري سطحي. وهذا أمر ليس عادلا وليس دقيقا فحسب، ولكنه يغذي الذكورية والميزوجينية التي أصبحت وللأسف أمرا اعتياديا. بالطبع يمكن للرجال الكتابة عن النساء، وللنساء الكتابة عن الرجال، ولكن الحساسية والصدق أمران مهمان لتطوير شخصيات حقيقية.
مشهد النهاية في الفيلم في مقبرة حيث ذاب الجليد بين الكل، هل في ذلك إحالة إلى أن الذكورية وسطوة المجتمعات مآلها الدفن؟
لسوء الحظ، تعريف الرجل في مجتمعاتنا شابه بعض المشاكل عبر السنوات. لا يوجد "رجولة" في الرغبة في السيطرة على حياة المرأة، أو أن تكون متنمراً أو تفرض سلطتك على النساء في عائلتك، ولا يوجد ما يوحي بالرجولة في العنف أو وضع قيود على قلب وعقل المرأة أو حتى من رجل لرجل لمجرد أنه يملك السلطة للقيام بذلك. الرجال الذين يحتاجون أن يخاف منهم الآخرون هم جبناء. هناك اختلاف هائل بين أن يخشاك الآخرون وكونهم يحترمونك و يحبونك. لذا، بالطبع يجب أن تختفي الذكورية السامة، وليس فقط لأجل النساء، ولكن لأجل الرجال أيضاً الذين يهدرون حيواتهم وهم يضمنون إهدار حيوات أخواتهم وأمهاتهم وبناتهم، ولأجل ماذا؟ الصورة الاجتماعية؟ الشرف؟ متى أصبح مفهوم "الشرف" صارما و سطحيا لهذه الدرجة؟ أتمنى لو أن هؤلاء الرجال يمعنون النظر إلى انفسهم حتى يعرفوا السبب خلف كونهم يحصرون أهميتهم وقيمتهم في رغبة أو أفعال النساء. اذا استمر التملك والتسلط في استحواذ عقل العديد من الرجال اتجاه المرأة، فهم أيضا خاسرون.
في بنات عبد الرحمن مزيج بين الدراما والكوميديا، وفي المواقف الاشد تراجيديا لجأت إلى الإضحاك. هل تعتقد في قوة الكوميديا على هدم الثوابت والتفكر أكثر في الواقع والدفع نحو التغيير؟
الحياة نفسها هي كوميديا درامية، وهنا يكمن جمالها. نتعلم من السعادة والأحزان والمكاسب والخسائر. رؤية السخرية أو كوميديا الموقف ليس المقصود منها التقليل من معاناة ما ولكن جعلها مفهومة أكثر. أريد أن أمنح جمهور أفلامي فرصة للضحك على الرغم من درامية الموقف، الواقعية في السينما بالنسبة لي جميلة للغاية، وطبيعية، وأمامها فرصة لحشد الكثير من العواطف.
هل تزعجك تلك الآراء التي تحصر الفيلم في ثلاثية الجنس والدين والسياسة؟
الناس لديهم آراؤهم، وأنا دائماً أستمع وأناقش بحب وإيجابية. الفن أمر شخصي وأي صانع أفلام يرفض أو يحارب الآراء هو ربما يوجد في الصناعة الخطأ. وعلى الرغم من ذلك، أنا لا أؤمن بوجود قاعدة عامة فيما يخص المواضيع التي تصنع أفلاماً جيدة وما يجب تجنبه. الفيلم الجيد هو قصة جيدة وشخصيات مكتوبة بعناية يمكن للمشاهدين أن يرتبطوا بها بغض النظر عن المواضيع الموجودة في الفيلم. في الواقع، رفض البعض للأفلام العربية التي تناقش هذه المواضيع هو ببساطة عجز على مواجهة الواقع. بالنسبة للكثيرين، ثلاثية الجنس والدين والسياسة أصبحت مستهلكة، ولكن لنتوقف لحظة ونفكر… أليست هذه العناصر هي التي تتحكم في معظم الناس في المنطقة العربية اليوم؟ هذه الثلاثية تطرح بكثرة، و لكنها تطرح بسطحية و على شكل أحكام في معظم الأحيان.
ومع ذلك، بنات عبد الرحمن لا "يدور حول" الجنس أو الدين أو السياسة. الفيلم هو نظرة على ثلاثة أيام في حيوات هؤلاء الأخوات، و من خلال تجربتهن أريد أن أوصل الفكرة عن حق المرأة (والرجل) في أن يكون لديهم الفرصة لاستغلال طاقاتهم والهروب من القيود المجتمعية "لازم" التي يقتل التفرد وتهدر الحياة.
ماذا يعني لك عرض الفيلم في تونس؟
لقد رسم السؤال ابتسامة عريضة على وجهي، تونس تخطو خطوات واسعة فيما يخص حقوق المرأة، قصص النساء الشجاعات ومناصري المرأة جميلة للغاية وملهمة. ويشرفني للغاية أن يُعرض فيلمي الأول تجارياً في تونس، وأتمنى لو باستطاعتي الحضور مع الجمهور بعد كل عرض. ربما سأذهب في وقت قريب، ويا له من شرف!
هل تتابع الأعمال السينمائية التونسية؟
معظم المحتوى التونسي الذي شاهدته كانت أفلام تمكنت من متابعتها في المهرجانات السينمائية، معظم الأفلام العربية الأكثر إلهاماً التي شاهدتها كانت تونسية. أنا معجب للغاية بحماس الشعب التونسي تجاه الحياة. أعتقد أن التوزيع في العالم العربي يمكن أن يخلق نتائج هائلة عند العثور على طرق أكثر إبداعاً لنشر المحتوى العربي لكل دول المنطقة.
ماهي أعمالك القادمة؟
أعمل حالياً على المسودة الخامسة من فيلمي الروائي الثاني "بومه". أحداث الفيلم مستوحاة من قصص حقيقية لثلاث نساء كن منغمسات في عالم الجريمة في الأردن، واستطعن زعزعة الوضع القائم في المدن التي يعشن فيها، والتي تتسم بطابع بالغ الذكورية وذلك خلال ثمانينيات القرن الماضي في الأردن. ناقشنا أنا ومنتج الفيلم وصديقي أحمد أبو كوش التفاصيل مع بعض الأستوديوهات وقريباً سنعلن عن تعاون جديد مع شبكة إعلامية كبيرة إن شاء الله، وربما يكون هناك المزيد من بنات عبد الرحمن، انتظرونا!
مَن مِن الممثلين والممثلات الذين ترغب بالعمل معهم؟
سؤال صعب لأن هناك الكثيرات اللاتي أود العمل معهن بالأخص في الفترة الأخيرة التي أظهرت أكثر وأكثر كم المواهب العربية الفذة ذت مستوى عالمي.
من الأردن سأكون سعيدا جدا للعمل مع ركين سعد، وعدد من الممثلات الجدد الموهوبات. من ممثلات المنطقة العربية سأسعد جداً لفرصة العمل مع منة شلبي، هند صبري، منى زكي، كارمن لبز، تقلا شمعون، روبي، يسرا، سوسن بدر وداليا البحيري. ولا أذكر أسماء ممثلات من سوريا لأن معظمهن فعلاً جبارات مثل أمل عرفة، صباح الجزائري، أناهيد فياض و كاريس بشار و غيرهن العديد. و دائماً في خيالي أرى أنني أعمل مع أصالة نصري! ممكن فيديو كليب؟ دعونا نرى!
أما بالنسبة للممثلين، من الأردن فيوجد عدد كبير من المبدعين مثل مجد عيد وأيضاً الممثلان الفلسطينيان علي سليمان وكامل الباشا. هناك ممثلون لفتوا نظري جداً في الفترة الأخيرة أيضاً من السعودية نايف الظفيري، يعقوب الفرحان و آيضا براء عالم. أما من أم الدنيا أكيد أمير المصري، رامي مالك، سامي الشيخ وآخرون. من جديد تعرفت شخصياً على الفنان ظافر العابدين، و بالتأكيد سأكون سعيدا اذا أتت الفرصة المناسبة.
طبعاً هناك أسماء ممثلات وممثلين أخرى عديدة لم أذكرها. بشكل عام أنا واثق أن عددا كبيرا من الممثلين في المنطقة العربية ممكن أن يظهروا إبداعاتهم عند العمل مع النص اللائق والمخرجة أو المخرج المناسب. وكل حبي لتونس وأهلها