حينما تتأمل قرار وزيرة الشؤون الثقافية بخصوص موعد تنظيم مهرجان أيام قرطاج السنيمائية يبدو لك أن عقارب الساعة في تونس تسير عكس النسق الطبيعي وأن الأمور تتقدم نحو الخلف.
فبعد اختتام الدورة الثالثة والثلاثين التي استدرت تعاليق كثيرة راوحت بين الشكل والمضمون قررت وزيرة الشؤون الثقافية حياة قطاط القرمازي أن يتم تنظيم المهرجان مرة كل سنتين.
قرار الوزيرة يعني ألا وجود لدورة من المهرجان سنة ثلاثة وعشرين وألفين، وهو يعني أيضا تخلف المهرجان عن خارطة المهرجانات القديمة منها وحديثة العهد وسط منافسة شديدة على احتواء التجارب السينمائية الملهمة.
أن ينتظم المهرجان مرة كل سنتين يوازي العودة إلى ما قبل سنة خمسة عشر وألفين السنة التي صار فيها للمهرجان موعد سنوي، رجوعا بالزمن إلى الوراء وسط سياقات تمضي بسرعة إلى الأمام.
فحينما كان المهرجان منذ تأسيسه عام ستة وستين وتسعمائة وألف يعقد كل سنتين بالتناوب مع أيام قرطاج المسرحية كان الواقع مختلفا وكانت تونس منارة ثقافية وفنية وحاضنة لتجارب سينمائية حفظتها مدونة الفن السابع وصارت مراجع.
لكن اليوم يبدو هذا القرار عبثيا ومرتجلا لا يتواءم مع السياقات، ولا يعدو أن يكون إلا رد فعل على سيل الانتقادات التي طالت المهرجان وسجادته الحمراء التي أضرت بفلسفته التي نسج الطاهر شريعة ملامحها بأنفاسه وروحه ومهجته.
وفي الوقت الذي تواصل فيه المهرجانات العربية التموقع سواء على مستوى استقطاب صناع السينما أو خلق مساحات للإنتاج، يرجع أيام قرطاج السينمائية خطوات إلى الوراء بقرار يشبه الحكم بالموت البطيء.
وإن شاب الدورة الثالثة والثلاثين هنات ونقائص، وإن طالها النقد والانتقاد، وإن بلغت الخلافات أوجها، فإنه من غير المنطقي ومن غير المعقول الزج بتاريخ وعراقة المهرجان في أتون رد فعل غاضب على دورة لها ما لها وعليها ما عليها.
قرار تنظيم المهرجان كل سنتين موجع ومربك يستفز العاطفة والعقل في آن، يجعلنا من ناحية نتفكر في مصير الأيام وهي تتخلف سنة عن خارطة المهرجانات ومن ناحية أخرى يجعلنا نتفكر في واقع الثقافة والفنون في تونس واستراتيجيات تنظيم المهرجانات والتظاهرات الثقافية.
هل صارت كل الحلول هباء منثورا حتى نلجأ إلى حل تنظيم دورة كل سنتين؟ هل صارت العقول عاجزة على بلورة تصور واضح للمهرجان؟ هل انفلتت الأمور إلى درجة صار معها من العصي تدارك الهنات والنقائص؟ أسئلة كثيرة تقفز إلى الذهن وتحمل معها عبارات " إلى الوراء در"