"الصبر لله والرجوع لربي" ملزومة للشاعر الشعبي عبد الرحمان الكافي، هي أيضا تحمل اسما آخر لن يستوعبه هذا النص الخاضع لصنصرة ذاتية، فيها تعبيرات نقدية للاستعمار وللسلطة وفيها حنق وغضب لا تستوعبه الكلمات المنمّقة.
هذه الملزومة تحمل في طياتها كلمات بذيئة وفق تصنيفات مجتمعية صارت ثوابت لا يمكن الخروج عنها ولكنها قطعا ليست أشد بذاءة من الواقع حينها، ليست أشد بذاءة من افتكاك الأرض وانتهاك الحق، ليست أشد بذاءة من وقاحة الاستعمار وخيانة الوطن.
الكلمات البذيئة لم تُخلق عبثا، تهمس لنفسك وأنت تلاحق المعاني في ثنايا الملزومة التي ظل صاحبها حيا في تفاصيلها رغم رحيله حتى أنه ألهم مغني "الراب" كلاي بي بي جي ملزومة ثانية يشرح فيها الواقع التونسي على طريقته.
ملزومة عبد الرحمان الكافي تفتتح ملزومة كلاي بي بي جي التي ترشح سخطا على المنظومات المتعاقبة حتى تبدو الكلمات التي يلفظها كلاي بمثابة الحجارة التي ترتطم بالجدران البلورية التي تحاكي كذب الدولة ووعودها الزائفة.
سخرية من رجال الدين ومن الاستعمار من السلطة، شكل ملامحها عبد الرحمان الكافي ولم يخش لومة أحد ليطلق العنان للسانه ينظم الحروف ويسقط أوراق التوت التي أثقلها ستر عورات النظم السياسية والاجتماعية المتداعية.
هذه السخرية صالحة لكل زمان ومكان، حية أبدا، صامدة في وجه السنين شاهدة على أن التغيير لم يلامس الجوهر أبدا، هو فقط يمسح بيده على السطح ويمر ليعري تمظهرات التجويع والتفقير على الصعيدين المعنوي والمادي.
على إيقاع الملزومة 2 لكلاي بي بي جي، يقفز إلى رأسك سؤال " كم من ملزومة تلزمنا لنحاكي بذاءة واقعنا؟" وتتعسف على ذهنك الذي يحاول عبثا أن يحدد إجابة وتنغمس في تفاصيل الفيديو الذي يختزل واقع تونس التي توشح جسدها بجراح كثيرة.
التجويع الذي بات سياسة أمر واقع يرزح تحت وطأته الكثير من التونسيين الذين آواهم الهامش جيلا بعد جيل، الفساد الذي صار سوسا ينخر جسد الدولة ويمتد إلى قلوب المهمشين والمفقرين ليخنق ما تبقى في داخلهم من أمل، بعض مما جاء في الملزومة 2.
ما لم تسعفنا الكلمات للتعبير عليه كانت كلمة واحدة استدعتها الضرورة الشعرية أشد قدرة على تبليغه، من جور النظم الاجتماعية والسياسية إلى بقاء الوضع على ماهو عليه، لا شيء تغير قبل بن علي ومعه وبعده وكأن لعنة أصابت البلد.
الأحزاب السياسية بيمينها ويسارها نالها هي الأخرى غضب الملزومة، وحكم سعيد الفردي والاحتكار وغيرها من الآفات التي حولت الواقع إلى جحيم واستنزفت طاقة التونسيين الذين لا ينامون على كارثة إلا ليستفيقوا على كارثة جديدة تهدد قوتهم.
القمع البوليسي والانتهاكات الصحية والاجتماعية حضرت في الملزومة 2 في صورة عمر العبيدي وتسرب منها صوت ظالم إذ يقول "تعلم عوم"، وفي شاحنات الموت التي قصفت أحلام عاملات الفلاحة اللاتي أبى وضعهن أن يتغير، وفي الرضع الذين أسلموا أرواحهم في مستشفى عمومي ومازالت الحقيقة لا تجد طريقها إلى عائلاتهم، وفي قوارب الهجرة التي اتخذت لون الفقد وفي عيني مها القضقاضي التي جرفها السيل في طريقها إلى المنزل من المدرسة.
يسرى الشيخاوي