موعد آخر يتجدد مع أيام قرطاج الكوريغرافية في دورة خامسة تأتي لتعلي راية الخطوة وترسخ الرقص كفكرة مفعمة بالحياة عصية على الموت، فكرة غير متحجرة وثابتة تتخذ في كل مرة لونا جديدا وشكلا مختلفا يحاكي زخم الأثير.
مغامرة أخرى تنطلق في ثنايا الكوريغرافيا المطرزة بالأنفاس والخطوات والمعمدة بعرق الفنانين ودموعهم في افتتاح المهرجان الذي ما انفك يلفت إليه الأنظار بفلسفته الموشحة بحكايا الأجساد.
وفلسفة الدورة الخامسة تقوم على الوصل والتواصل ونقل الكوريغرافيا من حيز إلى آخر في ترجمة لدور الرقص في التوثيق والتأريخ وتخليد لحظات ومواقف وترجمة علاقة الإنسان بأرضه.
وفي العرض الفني الذي افتتح أيام قرطاج الكوريغرافية موقف يأتي في شكل ألحان وخطوات ليذكر بأن تونس دولة إفريقية ويرسم وجها حالما لإفريقيا الأم الزاخرة بالإيقاعات والألوان.
موسيقى وغناء وكوريغرافيا، ثلاثة عناصر فنية انصهرت على الركح وانساب الصوت ليتجاوز الركح ويعاضد الموسيقي المتحررة من قيود الزمان والمكان والخطوات التي تنصلت من البعد المادي.
حالة فريدة تشكلت على ركح مسرح الجهات ، امتزجت فيه أنغام غيتار "أنانا هارونا" و "صخب" إيقاع عماد العليبي، وصرخات ترومبات "ميشال مار"، واختلطت مشاعر الشجن بالحماسة واختالت كثبان رمال الصحراء بين الإيقاعات وحركات "صاليا صانو".
هي ليست مجرد إيقاعات وخطوات وكلمات، هي احتفاء بالقارة الافريقية التي تتخذ فيها الحياة هيئات مختلفة وتتحدى الموت المتسرب من كل صوب.
رسائل سلام وأمل بثتها الفنون المتعانقة على الركح وعرت بها في بعض تفاصيلها المعاناة ولكنها أيضا ترجمت المقاومة والتشبث بالحياة وعلى نسق كوريغرافيا "صاليا صانو" تبدى الإنسان المكافح الحالم الذي يلاحق أثر التفاؤل.
إيقاعات امتزجت بنغمات الترومبات والغيتار فولّدت موسيقى متفرّدة، موسيقى حمّالة هوّية وتواقة إلى الحياة زينها صوت الفنّان النيجيري "أنانا هارونا" الذي نثر روح الطوارق والأمازيغ على الركح.
كان صوت الفنان النيجيري، ممتدا في عمق إفريقيا يتهادى بين الأنغام الحزينة وصخب الإيقاعات، لترافقه بسمات عماد العليبي متى غازل الإيقاعات ويوح ميشال مار إذا ما بث من روحه في الترومبات وهواجس صاليا صانو إذا ما صافحت أقدامه الخشبة.