طريق الأحلام ليست دائمة مكسوة بالورود، ففي بعض الأحيان تخزنا أشواك ومع كل وخزة نتشبث بأحلامنا أكثر فأكثر، والمخرج التونسي عصام بوقرة حلم كثيرا ونثر أحلامه خارج الصناديق الموضوعة مسبقا لتكتم نفس كل حلم غير مصنف.
عصام بوقرة الذي طرز فيلم "فراشة" من حرية وشغف يقبع خلف القضبان منذ أكثر من عام دون أية محاكمة بتهمة استهلاك القنب الهندي (الزطلة) وفراشته تحلق بين المهرجانات لتنال التنويهات والتتويجات وتخفف وطأة سجنه.
وفي مهرجان "فيلمي الأول" الذي اختتم فعالياته مساء السبت في قصر العبدلية، حلقت "فراشة" بعيدا عن السجن وتحصل الروائي القصير على جائزة أخرى تسلمها والد المخرج، المؤرخ عبد الجليل بوقرة الذي لا طلب له سوى البت في قضية ابنه ليستأنف ممارسة إبداعه.
ومع كل تتويج جديد ينضاف لون جديد إلى "فراشة" التي تحررت ولم تحرر خالقها من زنزانته ويتجدد النقاش بخصوص القانون عدد 52 المتعلق بالمخدرات الذي كان من المنتظر أن يشمله عدة تغييرات لكنها ظلت حبيسة الحديث.
"أثر الفراشة لا يزول" كلمات تقفز إلى ذهنك وانت تشاهد فيلم "فراشة" للمخرج عصام بوڨرة ، فيلم بسيناريو بسيط ومعان عميقة تجعلك تسائل نفسك عن خياراتك السابقة منها والمؤجلة.
الفيلم يروي حكاية "عمر"(بلال بريكي) طفل عاش في القيروان ونجح في البكالوريا ليجد نفسه طالبا في كلية الآداب برڨادة لكنه رفض التطبيع مع واقعه المفروض عليه وأراد ان يقتفي أثر حلم بزغ في خياله فتبع صوت قلبه واختار أن ينال مراده.
"عمر" كان يرغب في دراسة السينما وكل الظروف من حوله غير ملائمة ولكنه لم يعبأ بها بل استنطق الأمل على تخوم اليأس وصنع من خيوط العدم وجودا يشبهه وسنده في ذلك صديقان جسدا المعنى الحق لعبارة "الصديق وقت الضيق".
مدة الفيلم تبلغ تقريبا ربع ساعة تلخص مواقف تحتاج مجلدات لوصفها، وانت تلاحق التفاصيل تلتقط الرسالة وراء الرسالة وتبتسم لقدرة المخرج على تجميعها واختزالها في صور جميلة وأداء مقنع من الممثلين.
طيلة العرض، لن تشك للحظة أن بلال البريكي بصدد التمثبل، وكعادته يظهر الشاذلي العرفاوي بعفويته المعهودة وأدائه الذي يخطف منك الضحكة، وكان الانسجام الرابط بين كل الممثلين.
وفي طريقه إلى حلمه، يمر بك "عمر" على مواقف كثيرة على غرار صديقه الذي يؤدي دور أجنبية ويخادع صديقه الآخر الذي يطمح إلى الهجرة، وممرض الإنعاش الذي لا يتوانى عن التجول بزي العمل ووصف المرضى في حالة حرجة بالمرشحين للموت.
وفي مشاهد تصوير طقوس الدفن، الموضوع الذي اختاره "عمر" ليشارك في المناظرة التي تخول له دراسة السينما، ينصهر النقد بالضحك وتتواتر المواقف الكوميدية حينما يستنجد بصديقه لأداء دور الميت فتركه للمجهول في لحظة مفصلية، هي لحظة النزول إلى القبر فما كان منه إلا أن تسلل إلى موكب دفن وصار يلتقط الصورة تلو الصورة.
ومع تفطن "الدفانة" لفعلة "عمر" كالوا له الضرب والشتائم لكنه ام يفرط في مشروع فيلم واستبسل في حمايته ولم يخطر بباله أن مساعد مصور الحي سيدمره بوضع "فراشات" وعبارة "ألف مبروك" على صور موكب دفن.
أمام اللجنة في المناظرة وجد نفسه في موقف لا يحسد عليه لكنه لم يرم المنديل وظل متشبثا بحلمه وكان الحظ في صفه وتم قبوله لدراسة السينما ولكنه لم يفكر حينها أن متلازمة "الفراشات" ستتبعه إلى العاصمة وفي سنته الأولى لم يكن النجاح حليفه لكنه لن يستسلم وفي الاثناء صار الجميع يناديه "فراشة" ومن هنا استمد الفيلم عنوانه،
وفي فراشة المواقف المضحكة تعري وضع تراجيديا للفنان الذي يواجه العادات والتقاليد والموروث الديني والعيب والحرام ويواجه، أيضا، النزعة التجارية اللتي شوهت جمالية الفن، تشريح لوضع الفنان في تونس في دقائق ودعوة للتشبث بالحلم وبذل كل مجهود ليتحقق.