"تحت الشجرة" فيلم روائي طويل للمخرجة أريج السحيري تستعير فيه بعض ملامح الوثائقي لترسم بعضا من معاناة النساء الريفيات في مساحة حرة مستقلة عن "استعمار" المجتمع.
في حقل كروم التين المحاذية لقرية كسرى من ولاية سليانة تتناثر أحاديث العاملات في الفلاحة وتتشكل النقاشات التي تظهر معها اللبنات الأولى لشخصيات حالمة رغم قسوة الواقع ومتحررة رغم القيود التي تحاوطها.
أحاديث في كل المواضيع تتسرب من بين غصون الأشجار لتمتد إلى جذورها وتستمد منها صلابتها في مواجهة مجتمع محافظ ينكر على المرأة أن تعبر عن رأيها وتدافع عن نفسها تحت مسميات أبرزها "العيب".
من أحداث حقيقية يستلهم الفيلم أحداثه التي تصورها شخصيات واقعية وصادقة أداها ممثلون وممثلات هواة خبروا تفاصيل العمل في المجال الفلاحي وألفوا الكروم وألفتهم واحتوت حكاياهم.
على إيقاع قطف حبات التين الناعمة، تروي الشخصيات نبذات عن حياة العاملين في المجال الفلاحي وخاصة العاملات اللاتي يعانين اضطهادا آخر قائما على أساس النوع الاجتماعي.
في اقتناء أثر مراحل تجميع التين، تتجلى شاعرية معاناة النساء في المجال الفلاحي في تفاصيل كثيرة، بدءا من قطف الثمار دون أدوات حماية وصولا إلى ترصيفها في الصناديق مرورا بتسلط "رب" العمل الذي يختزل السلطة الأبوية الذكورية.
حكايات فردية رواها الممثلون الذين كانوا على سبيتهم أمام الكاميرا حتى بدت الأحداث وكأنها تسجيلية توثيقية، ليست إلا امتدادا لمعاناة جماعية تعكس عللا اجتماعية واقتصادية وثفافية.
وعلى امتداد ساعة ونصف في حقل التين، تلاحق المخرجة أريج السحيري أثر القصص التي توزعت على جيلين، جيل يبدو أنه تشبع بالقسوة والوجع حتى طبع معهما وجيل آخر فتيّ مازال يحلم ويبتسم ويتزين رغم المعاناة.
خيبات وانكسارات، وقصص حب تموت قبل اكتمالها، وآمال وأحلام وهوي بين جيلين، واستغلال وطبقية وتهميش ونسيان، معان كثيرة تجلت في الفيلم الذي حاول كسر الصور النمطية عن المرأة الفلاحة فأظهر معاناتها في وجه جديد يغشاه التحدي والصمود.
فيما تلاحق أسرار الفتيات في الحقل وتشهد تمردهن على واقعهن وقدرتهن على التعامل مع وضعيات مختلفة، يستفزك طول بعض اللقطات ولكن إذا ما أسقطت الأمر على الواقع سيبدو هينا مقارنة بما تقاسيه النساء من اضطهاد مادي ومعنويا مقابل بعض الدنانير.
وفي مشاهد حضرت فيها العفوية وغاب عنها تدخل المخرجة التي تركت مساحة من الارتجال للممثلين، نطق الفيلم بلسان حال نساء كثيرات غابت أصواتهن وسط الزحام وتشبث صمودهن بجذور الكروم وآوت حبات التين الناضجة هشاشتهن.