"من مارس حقه في الاقتراع برهن على وطنية عالية ومن لم يشاركوا فيه متخاذلون" هذا فحوى تصريح للمترشح إبراهيم بودربالة يوزع فيه صكوك الوطنية على التونسيين.
قد يبدو التصريح رد فعل طبيعيا لشخص معني بالانتخابات على اعتباره مرشحا ولكن التمعن فيه يحيل إلى تقسيم الشعب التونسي إلى وطني وغير وطني على قاعدة المشاركة في الانتخابات التشريعية.
أن تشارك في الانتخابات أو تعزف عنها خيار شخصي وحق لكل مواطن أن يعبر عن رأيه في المسار السياسي بالطريقة التي يرتضيها ولكن ليس من حق أي شخص أو جهة محاكمة هذا الرأي بشكل يبخس صاحبه مواطنته.
وموقف بودربالة الذي تولى رئاسة اللجنة الاستشارية للشؤون الاقتصادية يحيل إلى من عينه في هذه اللجنة رئيس الجمهورية قيس سعيد فكلاهما درس في مدرسة "التخوين".
فطالما قسّم رئيس الجمهورية المواطنين إلى وطنيين وغير وطنيين وطالما لجأ إلى ضمير الـ"هم" الغائب الذي لن بحضر ممثلين في خطابات أبدا، بما يكفي لمعرفة موقفه من الزلزال الذي ضرب مسار الانتخابات التشريعية.
لو خرج رئيس الجمهورية عن صمته وتحدث عن المسار فلن يحيد عن فلسفته في الرمي بالغيب والحديث عن "هم" لن يفصح عنه وسيعتبر أن ما حصل من باب الخيانة ومن باب ضرب مساره الأبي.
لن يصب خطاب رئيس الجمهورية، إن لملم شجاعته وأطل على شعب لا يريد ما يريد هو، إلا في خانة المؤامرة والدسائس والموارد والأيادي الخفية التي منعت الناخبين من الالتحاق إلى مراكز الانتخاب خاصة وأنه شنف الآذان بخطاب تحدث فيه عن الاحتكام إلى الضمائر وإلى الفرصة التاريخية التي بمثلها يوم 17 ديسمبر بما يحمله من رمزية.
فرصة تاريخية مهدورة، إن تكلم بعدها، فإنه لن يحكي فشله في إدارة الأزمات التي فرخت وعشقت في مفاصل الدولة ولا عن عجزه عن الإمساك بزمام مسار 25 جويلية، هو لن يتكلم إلا عن المشككين في المسار وعمن نهبوا البلاد وخربوا ونصبوا أنفسهم أوصياء على الشعب، أولئك الذين يتحدث عن خطاياهم لكن لا يحاسبون في عهده بما فعلوا.
إلى حين خروج رئيس الجمهورية في خطاب مألوف ترن فيه كلمات التخوين المفرغة من كل معانيها، كلنا، نحن من لم نصوت لأنفسنا لأن اللحظة لم تكن حاسمة، خونة مع وقف التنفيذ.