"نهار الكيراتين" ، تجربة سينمائية جديدة للمخرج التونسي سامي التليلي تشرّح بعض الظواهر الاجتماعية في تونس وتضع أصابعها على مكامن العلل في مجتمع خلق هوة بين الأفراد وذواتهم.
في الفيلم الروائي القصير الذي عرض في مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي يتحول صالون حلاقة إلى مختبر مجتمعي تتهاوى داخله الصور النمطية وتتعرى هشاشة الأفراد داخل مجتمع يزين فيه الفرد ظاهره ولا يهتم لداخله المكسو بالتقرحات.
ملامح علاقة متصدعة مع الجسد يرسمها الفيلم وترصد الكاميرا مواضع انفصام الشخصيات في علاقة بالزينة الظاهرة التي يرون فيها انتقاصا من رجولتهم ولكنهم يقدمون عليها فهم يكسرون الصور النمطية خلف أبواب صالونات الحلاقة ولكنهم يشيدون لها الأصنام خارجها.
عبر مواقف كوميدية مضحكة ومفعمة بالسخرية، ينتقد الفيلم بعض الممارسات والعقليات التي مازالت تأسر المرأة في إطار معين يقترب منه الرجل ولكن لا يتجاوزه ويحرص في كل مرة على تغليف هذا القرب بمصطلحات مفرغة من المعاني ليغطي اختلالا صنعه المجتمع وزاد في تعميقه.
"اليوم نهار الكيراتين" عبارة يرددها صاحب صالون الحلاقة كلما أطل عليه حريف يريد أن يحلق ذقنه أو يقص شعره ومنها استمد الفيلم عنوانه وعلى إيقاع "الكرتنة" (عملية تطبيق منتوج الكيراتين على الشعر ليصبح أملس) يصور وجها آخر للرجال في بيئة ذكورية صرفة.
بعض الدقائق كانت كفيلة بفضح نظرة البعض للمرأة إذ لا يرونها إلا تابعا لهم لهم رغم اهتزاز صورتهم أمام أنفسهم وعدم قدرتهم على مواجهة المجتمع وهم يحملون آثار العناية بالوجه والشعر ليقروا بأن الضعف يأكلهم من الداخل فيما يظهرون فحولة مشوهة.
الفيلم على قصره يتسم بالكثافة مبنى ومعنى إذ تعطي فيه الكاميرا معنى آخر للمكان المغلق من خلال استنطاقها لتعبيرات الممثلين التي تتجاوز صالون الحلاقة وتجمع فيه بين مواقف كثيرة لم يكن ليستوعبها المكان ولا الشخصيات لولا الكتابة المتماسكة والأداء العفوي للممثلين ( رياض حمدي، غازي الزغباني، بحري الرحالي، نجلاء بن عبد الله…. )
على إيقاع قضايا رياضية وسياسية واجتماعية يناقشها الرجال بمنظور ذكوري، تدخل إمرأة المحل لتخلط كل الأوراق وتعيد ترتيبها على طريقتها دون أي مجهود منها فمجموعة الرجال التي كانت تستعرض عضلاتها صارت حملانا وديعة في حضرة الجمال.
وفي لحظة فارقة يختل نظام "نهار الكيراتين" وماكان غير متاح للرجال صار متاحا للمرأة التي كانت وابنها جزءا من مواقف يعكس حالة العبث التي نعيشها اليوم ويعري الفوضى المتفشية وسط رغبة محتدمة في الخلاص الفردي.
وفيما يعجز كل الرجال الحاضرين في صالون الحلاقة عن احتواء الموقف تنجح المرأة في ذلك وتخلصهم من ورطتهم وتصرخ بما عجزوا عن قوله ليتبعوها بسذاجة ولينتهي الفيلم بعودتهم إلى شرنقتهم التي تحول دون تصالحهم مع ذواتهم.
وعن هذا الفيلم الذي تتمنى لو كان أطول لجماليته وعمقه، يقول المخرج سامي التليلي إن فكرته انطلقت من ملاحظة أولية تتمثل في الحديث دائما عن صالونات الحلاقة للنساء مقابل حديث قليل عن الصالونات الرجالية في الوقت التي تقدم فيها نفس الخدمات وتستوعب نفس الأجواء.
في سياق متصل، أضاف أن ملاحظة أخرى تخص علاقة جديدة بين الرجال وعنايتهم بأجسادهم من خلال عادات جديدة ظلت حبيسة السطحي ولم يصاحبها تصالح مع الذات، مشيرا إلى أن أعماله تقوم على الكوميديا السياسة والاجتماعية وتنطلق من مواقف تعترضنا في الحياة اليومية.
أما فيما يخص الدعم، لفت إلى أن الفيلم ممول ذاتيا ولم يتحصل على دعم، مضيفا "لم نتتظر الدعم.. كان هناك انسجام بين كل فريق العمل فصنعنا الفيلم… ومع بعض التضحيات رأى الفيلم النور".
يشار إلى أن "نهار الكيراتين" ينافس في مسابقة مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي مع 12 فيلما عربيا آخر من مصر، والمغرب، ولبنان، وسوريا، واليمن، والعراق، والسودان، والإمارات، والسعودية المُشاركة بفيلمين وكذلك الأمر بالنسبة إلى الأردن.