بقلم أحلام غزيل
عن دار الوطن العربي للنشر والتوزيع – الجمهورية التونسية سنة 2023 ، صدرت المجموعة القصصية المعنونة بـ “آلام متقاطعة ” للكاتب والصحفي محمد علي خليفة . وجاء الكتاب في 107 صفحة من الحجم المتوسط في اخراج انيق. والمتأمل في العنوان يستنتج حتما عمق المفهوم الدلالي الذي سنجد صداه في طيات كل قصة من هده المجموعة القصصية.
تضمن الكتاب إهداء للقارئ، فتقديما أراد به المؤلف وضع القارئ في الاطار العام من حيث خصوصية الظرفية التي تمت فيها كتابة هذه المجموعة القصصية الممتدة على ثلاث سنوات من مارس 2020 الى مارس 2023 . و من حيث اختياره للقصة القصيرة كجنس أدبي للكتابة، ارتأى فيها المؤلف توافقا مع الرسالة المراد تبليغها. كما تضمن تصديرا احتوى على مقولة للفيلسوف و الاديب الروسي ليو تولستوي ” ان الانسان الذي يقدر على الحب …. يقدر على كل شيء” و إن اختيار هذه المقولة في الحقيقة كان شديد الارتباط بالتأويل والقصدية في النص القصصي خاصة وأن ليو تولستوي من رواد المدرسة الأدبية الواقعية، و 18 قصة قصيرة وزعها على بقية الكتاب، افتتحها بـ “آلام متقاطعة ” التي خصص لها النصيب الأوفر من الكتاب أي حوالي 25 صفحة مقارنة ببقية القصص التي لا يتجاوز عدد صفحات الواحدة 7 كأقصى حد ونلاحظ ان عنوان هذه القصة هو العنوان الذي استحسنه المؤلف لعنونة كتابه .
هذه النصوص هي عصارة ما عايش المؤلف ورصده خلال مرحلة مخصوصة اتسمت بتفشي فيروس “كورونا” منذ مارس 2020 الذي رافقته عدة تحولات على جميع المستويات عمقت الأزمة السياسية والاقتصادية في تونس وتسببت في خلق عدة ظواهر شملت مختلف الفئات لم يعهدها المجتمع التونسي من قبل.
راوح الكاتب بين السرد والحوار والتزم في أغلب الأحيان بالكتابة بلغة عربية فصحى بسيطة التركيب عميقة المعنى والتجأ أحيانا أخرى إلى اللهجة العامية التي استوجبتها السياقات الواردة فيه، كما اعتمد المؤلف على المراوحة بين ضمير المتكلم أنا والضمير المبني للمجهول.
بنى المؤلف مجموعته القصصية على ثنائية المتخيل والواقعي حيث طوع خياله لتأثيث المشهد القصصي لنقل وقائع اثار فيروس كورونا المتمثل في فرض الحجر الصحي من خلال تجارب مريرة مرت بها العائلات التونسية اختلفت سياقاتها لكن النتيجة كانت واحدة، تقاطع فيها البؤس بالوباء (في “الام متقاطعة”)، الفرح بالألم (قصة زواج حمدي في” عناق قاتل”وقصة وفاة رحمة في اليوم الثاني منفرحة نجاحها في الباكالوريا في “زغاريد حزينة”)، الحزن المقترن بالشعور بالذنب (قتلت أبي) والذكرى الجميلة بمرارة البعد (الغرفة 514)، تفاصيل ل تزال راسخة بأذهاننا تلامس كنه ذواتنا.
كما كشفت هذه الأزمة عن جوانب من الذاكرة الشعبية في علاقة ب”مفهوم التشاؤم من أيام الحسوم” وعن مظهر من مظاهر الإسلام الشعبي تجلى في البعد التأويلي لفيروس كورونا واعتباره ابتلاء ربانيا في علاقة بصدق الإيمان من عدمه. ولا يخفى على القارئ الحس النقدي في هذه النصوص والذي كان مباشرا حينا و ضمنيا حينا آخر، في محاولة من المؤلف لتسليط الضوء على أهم القضايا في مجال الصحة من خلال نقده لهشاشة هذا القطاع والإشكاليات التي تعتريه وأزمة المواد الغذائية في تونس ( السميد والزيت والحليب. “قصة العم سعيد في زمن التيه” وأزمة القهوة في قصة “حب بنكهة البن”).
كما طرح المؤلف إشكالية انتداب “المعلمين النواب” في قصة “الحاجب ومحجوب” وأزمة المعلم من خلال سرد واقعة محسن المربي الذي تم الاعتداء عليه بسكين من قبل أحد تلاميذه في “يوم ثقيل”، مشيرا الى تمزق الروابط الاجتماعية و انهيار القيم الأخلاقية. واحتفى المؤلف بالحب وعطر به بعض قصصه، وذلك من خلال “رسالة إليها ” “في شراك الهوى”… واعتبر قيمته أساسية في الحياة تعانق الأمل وتنبذ الأنانية والجشع.
ولعل ما يمكن أن يلاحظه القارئ هنا هو التزام الكاتب بطرح قضايا واقعه منطلقا من تسليط الضوء عليها في بعدها المحلي “واقع القلعة الكبرى ” إلى ملامسة بعدها الوطني “واقع تونس” بصفة عامة و العالمي .
وفي النهاية يمكن القول إن كتاب “آلام متقاطعة” / :Maux croisés تجربة فريدة من نوعها جمعت بين النفس القصصي والنفس الصحفي فكانت النصوص أقرب الى الخواطر منها الى القصص.
* تم تقديم هذا النص خلال التظاهرة الفكرية التي نظمتها جمعية علوم وتراث بالقلعة الكبرى يوم السبت 23 ديسمبر تحت عنوان "قلعة الإبداع 2"