أعلنت الإذاعة الوطنية عن اطلاق موقعها الإلكتروني وشعارها الجديد في مختلف محطاتها المركزية والجهوية، وهو ما أثار موجة من الانتقادات على مواقع التواصل الاجتماعي. حيث اعتبر البعض أن الهوية البصرية الجديدة “الشعار” لا يتماشى مع تاريخ الإذاعة العريق ولا يعكس السياق المعاصر لتوجهات التصميم الجرافيكي التي تتطلب تصاميم أكثر مرونة وبساطة لتلبية تطلعات الجمهور الحالي.
وقد أشار البعض إلى أن الشعار القديم كان يتميز بالبساطة والتناسق، بينما الشعار الجديد يحتوي على تفاصيل معقدة قد تفتقر إلى المعنى الواضح. وما أثار ضجة أكبر كانت التأويلات التي ارتبطت بالشعار الجديد، حيث تم ربطه بكلمات مثل “الإذاءة”، مما أضاف مزيدًا من الجدل حوله.
بالرغم من هذه الضحة، فإن هذه الخطوة (تغيير الهوية البصرية، التي تشمل الشعار، الألوان، الرموز، والتصميم الجرافيكي..) تعتبر إيجابية من الناحية الاتصالية، حيث تعكس إيمان مؤسسة الإذاعة الوطنية بأهمية البعد الاتصالي، ويمكن أن تترجم هذه الخطوة بالرغبة في التجديد والتطوير المستمر ليتناسب مع التحولات التكنولوجية والثقافية التي يشهدها العالم اليوم. وتتم عملية تغيير الهوية البصرية عادة ضمن استراتيجية اتصالية ذات أهداف محددة بشكل مسبق، مثل السعي لتغيير صورة المؤسسة أو بناء اتجاه جديد. كما أن هذا التغيير قد يكون جزءًا من تغيير أوسع في المضمون الإعلامي.
في هذا السياق، يؤكد الأستاذ الجامعي في علوم الإعلام والاتصال، صلاح الدين الدريدي أنه “ضمن الثقافة الاتصالية تغيير الشعار هو مرتبط اوتوماتيكيا بتغيير المضمون”. عندما تقوم مؤسسة إعلامية بتحديث هويتها البصرية، فإن ذلك عادة ما يتزامن مع تغيير في المضامين الإعلامية والسياسات التحريرية لتتماشى مع هذا التحول في الشكل. وبالتالي، يطرح هذا التساؤل: هل ستواكب الإذاعة الوطنية تجديد هويتها البصرية بتغيير في مضامينها الإعلامية، وتدفع بها نحو منهج تجديدي يعكس التحولات في احتياجات الجمهور وتوجهات العصر؟
ترتبط الهوية البصرية عادة وتتغير وتتأثر بالتوجهات الثقافية والتقنية على أساليب التصميم، حيث تتأثر الألوان والشعارات والرموز بتوجهات التصميم السائدة في فترة معينة. على سبيل المثال، كانت الشعارات في الماضي تميل إلى التفاصيل المعقدة والرمزية، بينما أصبح الاتجاه في السنوات الأخيرة نحو البساطة والوضوح ، مثل أسلوب “التصميم المسطح” (Flat Design).
وفي وقت يميل فيه التصميم المعاصر إلى التبسيط والديناميكية واختزال العناصر، اختارت الإذاعة الوطنية في شعارها الجديد التوجه نحو تصميم وصفه البعض بأنه “معقد” ، مما يطرح تساؤلات حول مدى ملاءمة هذا التوجه مع متطلبات العصر واحتياجات الجمهور المتفاعل مع التصاميم الحديثة.
وفي هذا الصدد، عبر شوقي الاجنف،مصمم غرافيك وخبير في الهوية البصرية والمحتوى الرقمي في تدوينة نشرها على صفحته “فايسبوك”، عن رأيه في الشعار الجديد قائلاً: “بدلًا من التركيز على تحقيق جمالية متوازنة وبسيطة، أفرط المصمم في البحث عن أشكال وتفاصيل غير ضرورية أدت إلى تعقيد التصميم دون إضافة قيمة بصرية حقيقية. هذا الإطناب في الاشتغال على الحروف والتفاصيل الصغيرة جعل الشعار يبدو مزدحمًا وغير مريح بصريًا. كان من الممكن أن يكون التحديث البصري للهوية البصرية للإذاعة التونسية فرصة لإضفاء لمسة حداثية تتماشى مع العصر الرقمي، لكن التنفيذ جاء دون المستوى المطلوب، حيث افتقر إلى الانسجام والتوازن والرمزية الضرورية. التصميم الناجح لا يقتصر فقط على تغيير الشكل، بل يجب أن يحمل هوية متماسكة وواضحة، وهو ما لم يتحقق في هذا الشعار الجديد.”
وأشار إلى أنه “أي تحديث بصري ينبغي أن يكون له منطلقات واضحة ومبررات منطقية، لا سيما عندما يتعلق الأمر بعلامة إعلامية عريقة مثل الإذاعة التونسية. في التصميم الجديد، تم نسف الهوية البصرية السابقة بالكامل دون تقديم بديل يتميز بالبساطة والانسيابية المطلوبة. والنتيجة كانت هوية جديدة لا تمتلك مقومات التفرّد، بل تبدو محاولة لإعادة تشكيل العلامة دون بناء صلب يدعم هذا التغيير.”
يذكر أن ” بول راند”، أحد أعظم مصممي الجرافيك في القرن العشرين، الذي صمّم شعارات شهيرة مثل تلك الخاصة بشركة “IBM” .كان يُروّج للتصاميم البسيطة والخالدة، مُعتبرًا أن “البساطة هي قمة الرقي”. هذه الفلسفة التصميمية التي اعتنقها راند أصبحت مرجعية في عالم تصميم الشعارات وتُعتبر الأساس لعدد من أفضل الهويات البصرية في التاريخ.
ويمكن أن نلاحظ أن مختلف المؤسسات الإعلامية العالمية مثل “BBC”،” AP” تتبنى فلسفة تصاميم بسيطة و قوية تركز على الهوية الواضحة، حتى أن التجديد قد شمل إضافات بسيطة فقط.
مريم حكيمي