بقلم حسن بن علي**
يقول العلامة عبد الرحمان ابن خلدون : ” ان التاريخ في ظاهره لا يزيد عن الإخبار، ولكن في باطنه نظر وتحقيق”
وبما اني لست مؤرخا فلقد سعيت الى جمع ما توفر من معطيات حول مساهمة مدينة القلعة الكبرى في تحقيق استقلال هذا الوطن وذلك من خلال ما سجلته ذاكرتي من تفاصيل و اسرار معركة الاستقلال التي خاضها ابناء شعبنا بروح عالية من الايمان بعدالة القضية والاخلاص في الكفاح رغم قلة الامكانيات وحالة الخصاصة والحرمان التي كان يعاني منها الشعب في تلك الفترة .
وقد سنحت لي تجربتي الصحفية ( من 1986 الى 2010 ) فرصة الجلوس الى عديد المناضلين و المقاومين من ابناء القلعة الكبرى ومن بينهم السادة احمد بودريقة و الطيب شواري (عضو المجلس الاستشاري للمقاومين والمناضلين) و عبد العزيز شوشان (رئيس بلدية القلعة الكبرى) وعلي سويلم والمختار بلعيد والعجمي بن الحاج صالح بن سعد والطيب الورزلي وحسين سايب والطيب بن سعد وابراهيم العكروت والبشير بن سعد… قد حدثوني في مناسبات مختلفة عما تعرضوا اليه من ظلم وتعذيب وتنكيل في السجون والمحتشدات والمنافي.
وما يهمنا اليوم هو الحديث عن مساهمة احرار القلعة الكبرى في حركة المقاومة ضد المستعمر الفرنسي وتحديدا سنة 1952 واعتمادا على شهادة المناضل المرحوم الطيب بن محمد الشواري فان دورا بناء هذه المدينة في تحقيق الاستقلال كان بارزا للعيان وفي هذا الاطار نشرت له في العدد 52 من مجلة “حضر موت ” ( 15 جانفي – 15 فيفري 2008 ) شهادة عن معركة 22 جانفي 1952 وتجدون نسخة منها في الملف الخاص بهذه التظاهرة .
ومن اهم ما اكده المناضل الطيب الشواري في هذه الشهادة هو ان مدينة القلعة الكبرى شهدت يوم 21 جانفي 1952 تنظيم مظاهرة احتجاجية امام مكتب الخليفة (منصب الخليفة يوازي منصب المعتمد حاليا) بقيادة رئيس الشعبة الدستورية المرحوم المناضل احمد بودريقة .
وبخصوص المشاركة في معركة يوم 22 جانفي 1952 بسوسة فقد تم الاتفاق مع المناضلين و عناصر الشبيبة الدستورية على الذهاب الى مدينة سوسة بصورة منفردة على ان يكون انطلاق المظاهرة من امام مقر صيدلية جلول بن شريفة (الكائنة قبالة الجامع الكبير)
وقد اكد لي المرحوم الطيب الشواري ان ابناء القلعة الكبرى تدبروا امرهم في التحول الى مدينة سوسة قبل يوم او يومين من تنظيم المظاهرة والتي اسفرت عن ايقاف 41 شخصا تمت احالتهم على انظار المحكمة العسكرية الفرنسية وكان من ضمن هؤلاء المناضل المرحوم علي بن الهذيلي بن حمودة سويلم.
اما زعيم الساحل الشمالي وابن مدينة القلعة الكبرى المناضل المرحوم البشير عاشوراء فقد تم تكليفه من طرف الديوان السياسي بعمل المقاومة السرية بعيدا عن مدينة سوسة وحتى نعطي فكرة شاملة عن اسباب اندلاع حوادث الساحل نقدم في هذا الملف مقتطفات من مقال الوزير الاول السابق والمناضل الكبير المرحوم الهادي البكوش بعنوان: المواجهة الثالثة في 18 جانفي 1952 والذي صدر في كتابه تحت عنوان : “مقاومة الاستعمار في تونس من 1881 الى 1964 .”
في احد فصول كتابه “اضاءات على الاستعمار والمقاومة في تونس وفي المغرب العربي تحدث الاستاذ الهادي البكوش عن مقاومة الاستعمار في تونس من عام 1881 الى 1964 وهذا الفصل من الكتاب كان درسا افتتاحيا القاه المؤلف يوم 13 اكتوبر 2003 في كلية الحقوق بصفاقس للسنة الجامعية 2003-2004
وقد تحدث السيد الهادي البكوش في هذا الفصل عن احتلال تونس وفرض الحماية عليها والاسباب التي ادت الى ذلك ومراحل المقاومة ومميزاتها .
وهنا تحديدا اشار المناضل الهادي البكوش الى حوادث شهر جانفي 1952 .
كما اشار المناضل الطيب شواري في كتابه ” ما عملت ورايت وسمعت ” (ذكرياتي عن دور القلعة الكبرى في تحرير الوطن ) الى ان مناضلي القلعة الكبرى ساهموا الى جانب اخوانهم المناضلين بالشعب الدستورية بحمام سوسة واكودة ومساكن و سوسة ( التابعة لجامعة الساحل الشمالي ) في انجاح مظاهرة يوم 22 جانفي 1952 بمدينة سوسة ونشر المؤلف في الصفحتين 531 و 540 من كتابه صور المناضلين : البشير عاشوراء – عبد العزيز شوشان – الطيب بن محمد شواري – عبد القادر بن محمد دغرير (من حمام سوسة ) – عبد القادر الورزلي عبيد – فرج ابن عامر – محمد بن احمد بن منصور بومعيزة – الهادي عاشوراء الذين قاموا بتهيئة الثورة و قاموا ايضا بتركيز المقاومة المسلحة بالساحل الشمالي .
وفي الصفحة 541 نشر المؤلف صور المناضلين الذين دخلوا المقاومة المسلحة ابتداءا من 23 جانفي 1952 وهم : محمد بن احمد بن منصور بومعيزة – الطيب بن محمد شواري – محمد بن حسن ابن عامر – البشير بن الحاج محمد الفرجاني – محمد بن الصادق بن عائشة .
وفي الصفحة 544 من كتابه نشر المناضل الطيب شواري صور تلاميذ معهد الذكور بسوسة من ابناء القلعة الكبرى الذين شاركوا في اضراب مظاهرة معهد سوسة في 22 جانفي 1952 وهم : خليل بن ساسي بوقديدة – الطاهر بن عبد الرزاق دودش – محمد بن فرج بن عامر الى جانب صور المناضلين علي بن الهذيلي بن حمودة سويلم – زايد بن سالم بومعيزة – يوسف بن السويح بوملاح .
وهكذا نستنتج ان تحرير الانسان وبناء الاوطان يقتضي التضحيات الجسام وهو ما داب عليه ابناء القلعة الكبرى اللذين كانوا سباقين في مقاومة الاستعمار الفرنسي منذ سنة 1881 الى سنة 1963 حيث قدموا في سبيل تحرير الوطن عديد الشهداء نذكر منهم : الباي ساسي سويلم وفرحات بن عافية والعجمي بن منصور بومعيزة والعجمي بن علي بن سعد وعلي قلوعية و الهادي بن حسين هذا الى جانب عديد المناضلين الذين بقيت اعمالهم راسخة في الذاكرة .
وفي خاتمة هذه المداخلة اود التذكير بما قاله استاذ الاجيال المفكر توفيق بكار :”ما اضاعت امة ذكرى ثقافتها الا ذهبت ”
وعطفا اجدد التاكيد على اهمية دور النسيج الجمعياتي في المحافظة على الذاكرة المحلية والوطنية وعلى دور المؤرخين في مزيد تسليط الاضواء على نضالات الاجيال السابقة في تحرير الوطن وبناء الدولة الوطنية العصرية .
فالاستقلال امانة ويجب علينا الحفاظ عليها و صونها من كل المخاطر والمنزلقات لاسيما واننا نعيش في عالم متقلب الغلبة فيه للاقوى علميا وتكنولوجيا وفي زمن المصالح تذهب حقوق الانسان والاوطان ادراج الرياح .
*نص مداخلة قٌدّمت يوم الأحد 26 جانفي ضمن "ملتقى إحياء الذاكرة" الذي نظمته جمعية علوم وتراث بالقلعة الكبرى بالتعاون مع جمعية الاتحاد الثقافي بسوسة. ** صحفي ومدير مكتب جريدة الاخبار بسوسة 1993-1995 ورئيس تحرير مجلة الرباط (1995) ومجلة حضر موت (2008 -2010 )