و”نراك عزيزة مهما جار الزمان صعيب طريقي بعيد طويل” كلمات تردد صداها في قاعة الأوبرا في مدينة الثقافة فيما توشحت الشاشة بالراية الفلسطينية التي رفرفت في صفوف جمهور “أوتوستراد”.
هذه الكلمات هي مطلع أغنية “احكي فلسطين” العمل الفني الذي يجمع أوتوستراد باند وشادي زقطان يحفز الأحرار الذين تنبض قلوبهم بالحق على الاستمرار بالشدو باسم فلسطين، هذه الأرض التي تمتد من النهر والبحر وتتخذ فيها الحياة وجوها كثيرة من بينها الشهادة في سبيل التحرر.
وفيما يغيب شادي زقطان الذي صاغ بصوته سردية المقاومة عبر الاستمرار في الحديث عن فلسطين عن الركح، يصدح صوت يزن الروسان بكلماتها على إيقاع موسيقى مخلوقة من أمل ومقاومة وصمود لرسم ملامح ملاحم الفلسطينيين في أرضهم وحبهم اللامشروط لها رغم طول الطريق وما يكتنفها من صعوبات.
“امشي وجهك للشمس لخص فيها الحكي كله دندنها تتذكر كل هذه الحيطان رح تتكسر دونها.. خططيها.. ارسمها.. لونيها.. احكي فلسطين بوجه العالم كله احكيها”، تنساب الكلمات المشحونة بأنفاس الثوار والمطرز بزغاريد أمهات الشهداء لتحث على أن يظل اسم فلسطين مدويا في الأرض وفي السماء.
هي دعوة إلى الإصداع بالحق، بفلسطين في وجه كل العالم بالتدوين والتخطيط والتلوين والحديث، دعوة لم تحدد شكل الحديث عن فلسطين ولم تحشره في زاوية تعبيرة واحدة بل عددت الاختيارات والإمكانات مراعاة لاختلاف طرق التعبير لدى الأفراد.
نداء للنساء والرجال، لكل أحرار العالم أن يبقوا على العهد وأن يرووا قصص المقاومة في فلسطين بأشكال مختلفة عدد شادي زقطان بعضها الآخر في بقية الأغنية إذ يقول “اطبعيها انشريها لحنيها بصوت عالي غنيها”.
لتتجلى فلسطين في تمظهرات متعددة تمتد من الكلمات إلى الألحان، موسيقى تعانق الحرية والنور وتتحدى العدو، توليفة من العشق تتبدى في كلمات الأغنية “حرة يا بلادي مهما كادو العداء.. مهما علو السور مش رح يطفو النور .. طول ما موج البحر برجع طول ما بسماك البرق بيلمع.. طول ما الحب صبية وشب على هواك بيجمع”.
من النهر إلى البحر تجمع فلسطين أبناءها وأبناء الإنسانية التي نأت بنفسها عن وباء الصهيونية، كل أبنائها الذين لن ينسوها وتقول الأغنية على لسانهم “أنساك لا لولاك انا منسي وهي منسية.. بستناك بتاج أشواكي”
وعلى إيقاع الكلمات التي تلتبس في حروفها المشاعر تتجلى الراية الفلسطينية والكوفية وتتواتر صور الرجال والنساء وأطفال الحجارة وشارة النصر يتبدى منها المسجد الأقصى والكنيسة وتضيء الشمس بنورها دروب المقاومة وتظهر تعبيرات مختلفة من أجل التحرر.
“تحيا فلسطين” دوت المفردتان وتلقاهما الجمهور بسيل من الهتاف قبل أن ينغمس مع أعضاء الفرقة الأردنية في مدونتهما الغنائية التي تراوح ثيماتها بين الحب والنضال والتحديات المالية والبحث عن الذات.
مسائل كثيرة تخوض فيها المجموعة عبر موسيقاها التي تستحضر اليومي في كل المنطقة العربية وهو ما خلق لها قاعدة جماهيرية في صفوف الشباب الأردني والعربي والتونسي على وجه الخصوص.
جمهور من أعمار مختلفة توافد على قاعة الأوبرا للقاء “أوتوستراد” التي احتفت يالجمهور التونسي على طريقتها من خلال كلمات باللهجة التونسية مطلعها “صباح الخير احنا في تونس ما نجمش نبعد عنها”.
وعلى إيقاع الأغنية التي امتزجت فيها اللاجئين التونسية والعالمية تجلى علم تونس في الشاشة وعلا حماس الجمهور الذي تخلى عن المقاعد منذ أن صعد أعضاء المجموعة على الركح.
وهيج الطاقة والحماسة الذي سرى في قاعة الأوبرا برهان على أن تسمية “أوتوستراد” ليست اعتباطية فهذه المجموعة صنعت طريقها السريعة بألحانها وإيقاعاتها البعيدة في معاني كلماتها.
أسلوب موسيقي متنوّع، مستوحى من ألوان مختلفة مثل الريغي والفانك والراي والموسيقى اللاتينية وموسيقى الروك، والمواضيع متعددة ومتشابكة تنهل من الحياة وأيامها التي تختلف وتتشابه.
وبعد حوالي 18 سنة من تأسيسها على يد أعضاء الفرقة الأربع الرئيسين بشار حمدان، افو دامرجيان، ويزن الروسان و برهان العلي وذلك بعد صداقة دامت لأكثر من 20 سنة مدت الفرقة جذورها في مشهد الموسيقى البديلة والملتزمة في العالم العربي.
كل أغاني المجموعة وجدت طريقها إلى الجمهور الذي كان يردد كلماتها ويرقص على ألحانها وهو ما يعكس نجاح المجموعة في خلق قاعدة جماهيرية في تونس تجمع شرائح مختلفة.
مزيج الموسيقات الذي تشكله المجموعة من بين عوامل هذا النجاح إذ تلامس أنماطا مختلفة وتغازل جماهيرها من خلال استثمار تنوع مسارات أعضاء الفرقة واختلاف تجاربهم الشخصية.
هذا التنوع أسهم في إنتاج موسيقى تتجاوز اللغة والهوية والحواجز من خلال ألحان أصلية وكلمات معبرة وبسيطة تجد طريقها إلى الجمهور بسهولة وفي جعل المجموعة من “أقوى نوع”.
و”أقوى نوع” شعار مميز صار توقيع المجموعة الخاص وتحيتها المميزة للجمهور في الأردن وخارجها ولكن هذه المرة لم تلجأ إليه المجموعة إذ ورد في تقديم العرض الذي علت فيه تعبيرات مختلفة.
*صورة رفيق بودربالة