في أرجاء قاعة الأوبرا بمدينة الثقافة الشاذلي القليبي علا صوت الحرية على إيقاع تمايل الكوفيات والرايات التونسية والفلسطينية التي أغلتها سواعد فتيات تجسد نظراتهن مقولة محمود درويش “على هذه الأرض ما يستحق الحياة”.
ولأن فلسطين تستحق الحياة والحرية فإن شعبها الأعزل إلا من عشقها خضب أرضها بدمائه وتشبث بحقه في أرضه التي سلبها المحتل الصهيوني على مرأى ومسمع من كل العالم ولم يبال بآلة القتل الصهيونية التي تساوي بين البشر والحجر.
وفيما تتبدى صور التراجيديا المستمرة في غزة منذ ما يزيد عن الخمسة أشهر ، توشحت قاعة الأوبرا بأصوات فنانين وفنانات تونسيين غنوا لغزة “ننادي شعوبا ننادي أمم ننادي ضميرا لكل البشر”، واستخراج ضمنيا الخيانات والتواطؤ والصمت القاتل.
“كلنا غزة” أوبيريت من كلمات فيصل الشريف و ألحان لطفي بوشناق و توزيع منير الغضاب وغناء مهدي عياشي وشهرزاد هلال ومحمد الجبالي وأسماء بن أحمد ومقداد السهيلي وآمنة فاخر وأنيس اللطيّف وألفة بن رمضان ولطفي بوشناق وليلى حجيّج والكورال الوطني لمسرح أوبرا تونس.
وفي محاكاة للموقف التونسي دولة وشعبا من القضية الفلسطينية وتحديدا للروابط الإنسانية بين تونس وفلسطين علا النشيدان الوطنيان للبلدين وغمرا بكلماتهما الأرجاء على نسق ألحان الفرقة الوطنية للموسيقى بقيادة المايسترو يوسف بالهاني.
وقبل أن يصافح الجمهور فيديو كليب لمن “يهمه الأمر” للفنان لطفي بوشناق ومغني الراب “سمارا” تحدث عادل بندقة المدير الفني للدورة الاستثنائية لمهرجان الأغنية التي تمتد من 14 إلى 16 مارس الجاري عن دور الأغنية في رسم ملاحم المقاومة.
وقال الفنان عادل بندقة إنه شرف عظيم تخصيص الدورة الثانية والعشرين للمقاومة الفلسطينية، مؤكدا أنها دورة تفخر بها الأجيال.
وكما تحدث الفنانون الذين تم انتقاء أعمالهم للمشاركة في الدورة الاستثنائية للمهرجان عن اعتزازهم بمشاركتهم وعبروا على طريقتهم عن مساندتهم لفلسطين وشعبها ضد الاحتلال الصهيوني تحدث الفنان لطفي بوشناق ومغني الراب سمارا عن تجربة أغنية “لمن يهمه الأمر” ودورها في التوعية بما يعيشه الشعب الفلسطيني.
وهذه الدورة الخاصة من ناحية الاختيارات الفنية والتوقيت أعلت صوت المقاومة وصوت كل فلسطيني يقاسي ويلات الحرب وتمظهراتها الدموية من خلال أصوات تونسية ذات خامات وخصوصيات متمايزة.
وفيما تواترت صور من المجازر التي عايشها الفلسطينيون ورفرت راية فلسطين الصامدة رغم جراحها النازفة وتجلت عبارة “فلسطين حرة” استعاد فنانون وفنانات أغاني تتغنى بفلسطين وبالحرية والنضال
وغنّت محرزية الطويل “بني وطني”
ورنا زروق “زهرة المدائن” بتوزيع جديد لمهدي المولهي وأسماء بن أحمد “غابت شمس الحق” وأنيس اللطيف “أنا بأتنفس حرية” وأحمد الرباعي “يوما ما” ومروان علي “أنا دمي فلسطيني”.
ولأن الدورة الثانية والعشرين لمهرجان الأغنية التونسية تأتي في ظرف استثنائي يتزامن مع تراجيديا يعيشها الفلسطينيون يوميا وقتّل الاحتلال على وقعها الأطفال وشرّدهم ويتّمهم، غنت الطفلة مريم معالج (كورال سيدي سامي) أغنية “أعطونا الطفولة” بصوتها البريء العذب.
وعلى ركح قاعة الأوبرا صدحت حنجرة ضيفة الشرف أميمة الخليل بأغنية “عصفور طل من الشباك” التي صارت تحاكي نشيدا للحرية منذ أن غنتها وهي طفلة في الثانية عشرة من عمرها.
وقد تحدثت الفنانة أميمة الخليل عن علاقتها الوطيدة بتونس ومهرجاناتها وعن حبها لفلسطين، معربة عن شكرها لمهرجان الأغنية التونسية على دعوتها للمشاركة في الدورة الاستثنائية المخصصة للمقاومة الفلسطينية.
وفي سياق مناصرة المقاومة فنيا لم ينس المهرجان رموز النضال التونسي الذين خلدتهم الأغنية التونسية على غرار محمد الدغباجي ومنوبي “الجرجار”، إذ استعاد سيف الدين التبيني “الخمسة الي لحقوا بالجرة” وسفيان الزايدي “الجرجار”.
وفي ختام الافتتاح أعلت محرزية الطويل رنا زروق أسماء بن أحمد سيف الدين التبيني أنيس لطيف مروان علي أحمد الرباعي سفيان الزايدي صوت الحلم عبر استعادة أغنية “اوبيريت الحلم العربي”
“أجيال ورا أجيال هتعيش على حلمنا واللى نقوله اليوم محسوب على عمرنا
جايز ظلام الليل يبعدنا يوم انما يقدر شعاع النور يوصل لابعد سما
ده حلمنا طول عمرنا حضن يضمنا كلنا كلنا”.
سطع حلم الحرية والوحدة العربية من ركح قاعة الأوبرا بمدينة الثقافة.
وفي افتتاح الدورة الاستثنائية المخصصة للمقاومة الفلسطينية كان مهرجان الأغنية التونسية وفيا للمحور الذي انتهجه وهو المقاومة الفلسطينية ومستبطنا للوجع الفلسطيني إذ غابت كب مظاهر الاحتفال.
وإن كان التنويع والتلوين حاضرا على مستوى الأصوات من فنانين وفنانات لكل بصمته الخاصة إلا أنه كان من الممكن أن تنعكس هذه التلوينات أيضا على اختيارات الأغاني لتلافي استعادة ثلاث أغاني للفنانة جوليا بطرس.
كما أن المتأمل في الأغاني التي تم استرجاعها يلاحظ أنها أغان رسخت في الذاكرة العربية وهو ما يحيل إلى أن المهرجان خير أن يبقى في مربع آمن ولم يجازف باختيارات من قلب الملاحم الفلسطينية.
وان كانت فلسفة المهرجان واضحة منذ البداية وتقوم على استعادة أغان ارتبطت بالمقاومة والحرية إلا أنه كان من الممكن الانفتاح أكثر على الموروث الفلسطيني الزاخر بالأغاني التي تتغنى بالشهداء والأسرى والحرية.
وبعيدا عن الملاحظات السابقة فإن افتتاح دورة “لأجلك فلسطين” كان فسحة للتذكير بأن فلسطين أم القضايا وأنها البدء والمنتهى وأن حريتها أصل “الحلم العربي”.