بقلم الناصر مطير **
لم تبدأ مأساة فلسطين والشعب الفلسطيني بـ”حرب الابادة الجماعية” الدائرة حاليا ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة وفي الضفة الغربية أيضا والقدس المحتلة بل هي مستمرة منذ أكثر من قرن من الزمن. سنحاول في هذه المداخلة تناول “طبيعة العلاقات الخاصة جدا وغير المسبوقة” في العلاقات الدولية بين الدول… وهي”العلاقات بين الكيان الصهيوني “اسرائيل” والولايات المتحدة الأمريكية”.
لفهم طبيعة هذه العلاقات القديمة والتقليدية منذ تأسيس إسرائيل سنة 1948 والتي تكشفت وبشكل واضح وفاضح منذ اليوم الاول من اندلاع الحرب “الهمجية” على غزة، لابد من التذكير بمحطات تاريخية رئيسية وحاسمة في ايجاد اسرائيل كـ”سرطان” في جسم الامّة العربية و”خنجر مسموم” في ظهر المنطقة العربية بأسرها…. وأوّلها أن الجالية اليهودية الكبيرة أصبحت جزءا من النسيج الوطني الأمريكي منذ نهاية القرن الثامن عشر خصوصا عبر هجرة التجار ورجال الاعمال اليهود من أوروبا الى “أمريكا الجديدة”، البلد ذي الإمكانيات والفرص اللامحدودة ثم وصول اليهود الألمان في منتصف القرن التاسع عشر قبل تزايد عدد اليهود المهاجرين من ألمانيا والدول الاوروبية خصوصا الشرقية منها ومن الاتحاد السوفياتي السابق بشكل ملحوظ عقب الحربين العالميتين الاولى وخصوصا الثانية، وذلك فرارا من حملات “الملاحقة والقمع” ضدهم من الانظمة والمجتمعات القومية الاوروبية المتعصبة “دينيا” وثقافيا في ذلك الوقت.
تأسيس الكيان “الصهيوني”
وظهرت البوادر الاولى لاغتصاب فلسطين ومنحها لليهود على الأقل في المؤتمر الصهيوني الأول الذي عقد يوم 29 أوت 1897 بتنظيم وزعامة الصحفي اليهودي الصهيوني “النمساوي الهنغاري” تيودور هرتزل، وبمشاركة كل الجاليات اليهودية في مدينة بازل بسويسرا والإعداد لإنشاء “وطن خاص باليهود” في العالم.
وتم آنذاك في البداية اقتراح أوغندا أو الارجنتين أو فلسطين… وبدأ تجسيد ذلك المشروع الصهيوني فعليا بعد أن استقر الرأي في النهاية على “اغتصاب” فلسطين لأسباب عديدة ومتنوعة أهمها “دينية عقائدية” بالأساس في بيان أطلق عليه “وعد بلفور” البريطاني، بتاريخ 2 نوفمبر سنة 1917. وهي الرسالة الموجهة من وزير الخارجية البريطاني آنذاك، أرثر بلفور، إلى اللورد اليهودي البريطاني المتنفذ جدا ماليا، ليونيل دي روتشيلد، “وَعَد” فيها اليهود بمنحهم “فلسطين العثمانية” آنذاك والتي أصبحت تحت الانتداب البريطاني لاحقا عقب معاهدة سايكس بيكو “الفرنسية البريطانية”ّ السرية بتقسيم الأراضي “العثمانية” المستعمرات الجديدة في الشرق الاوسط و لتأسيس وطن قومي للشعب اليهودي…
ومن هنا بدأت المأساة للشعب الفلسطيني ولفلسطين”المغتصبة”. وجاء تأسيس الكيان “الصهيوني” في الأمم المتحدة سنة 1948 بدعم وتأييد قويين من الولايات المتحدة وكذلك لاحقا من الاتحاد السوفياتي عقب الحرب العالمية الثانية ودور إسرائيل “الاستراتيجي”في إدارة الحرب الباردة بين موسكو وواشنطن آنذاك ولعقود طويلة…
انحياز غربي مفضوح
وتلت تأسيس اسرائيل حروب عربية اسرائيلية عديدة كانت خاطفة وأسفرت عن هزائم متتالية للدول العربية كحرب 1948 و1967 وحرب”أكتوبر” 1973… وهي آخر حرب عربية اسرائيلية بالمفهوم التقليدي… عملا بمقولة وزير الخارجية الأمريكي الأسبق هنري كيسنجر في”مذكراته” الشهيرة “لا حرب بدون مصر ولا سلام بدون سوريا”… وقد تم كل ذلك بدعم غير مسبوق لإسرائيل من قبل الولايات المتحدة وطبعا العالم الغربي عموما. وهو ما تجلّى مجددا وبشكل مفضوح وغير مسبوق عقب اندلاع حرب غزة يوم 7 أكتوبر 2023…
فقد هرع الرئيس الأمريكي جو بايدن وقادة أبرز الدول الأوروبية الغربية منذ اليوم الاول الى تل ابيب. وتم تشكيل تحالف عسكري سباعي اسرائيلي غربي “بريطاني ألماني ايطالي فرنسي ” بقيادة واشنطن… وكان قد سبق لبايدن وأن صرح أنه “صهيوني” للنخاع. كما صرّح وزير خارجيته أنتوني بلينكن عندما حضر إلى إسرائيل عقب اندلاع “الحرب” أنه جاء هذه المرة الى اسرائيل “كيهودي” وليس كوزير خارجية للولايات المتحدة… كما هرعت البواخر الحربية وقوات ومستشارون أمريكيون الى سواحل غزة واسرائيل لردع ايران خصوصا وقوات “حزب الله” اللبناني الداعمين لحركة المقاومة الفلسطينية “حماس” من مغبّة التفكير في الدخول في الحرب الى جانب “المقاومة الفلسطينية” وليديروا “الحرب بأنفسهم” وفقا لعديد التقارير الاعلامية بما في ذلك الامريكية أيضا…
وهنا السؤول الكبير والملحّ والذي ما فتئ يفرض نفسه : لماذا تدعم أميركا إسرائيل بشكل لا محدود منذ 70 عاما؟ من المعروف أن الاداة المالية والسياسية والاعلامية الضخمة جدا لإسرائيل في الولايات المتحدة والمُشكِّلة لاساس “اللوبي الصهيوني” القوي في واشنطن هي (لجنة الشؤون العامة الأميركية الإسرائيلية (أيباك) والتي تتخذ من “المال والاعمال” شعارا لها كالمصدر الرئيسي “للقوة والنفوذ” ماليا واقتصاديا وسياسيا واعلاميا. فالمال يحدد ماهية المنتوج فيما يحدد الإعلام ويوُجِّه السلوك الاستهلاكي والترويجي للمنتوج. هو ما يشكل “لب” النظام الاقتصادي الرأسمالي الامريكي الغربي الامبريالي المتوحش كما نراه ونعيشه في جميع أنحاء العالم…. فهذه المنظّمة “اليهودية” و”الصهيونية” هي الناطق باسم إسرائيل في الولايات المتحدة. وعلى كل الطامعين في المناصب السياسية الرفيعة في أي ولاية أو في الكونغرس أو في أي مؤسسة من مؤسسات الدولة الأمريكية وخصوصا منصب رئيس الجمهورية أن يقدّم أولا وقبل كل شيء فروض الولاء والطاعة لهذه “المنظمة” المتنفذة والقوية جدا وأن يمر عبرها في مرحلة ما من مراحل حياته السياسية…
وقد أشار الى ذلك الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما في كتابه الصادر 2020 بعنوان “أرض موعودة” على سبيل المثال ولكن رغم ذلك قد لا يدرك كثير من المتابعين للسياسة الخارجية الأميركية الأسباب الحقيقية لدعم واشنطن “الأعمى وغير المحدود” لإسرائيل منذ نشأتها قبل 70 عاما…
ويعرض الكثير من الخبراء والأكاديميين نظريات تحلِّل وتفسر الدعم النادر في خريطة العلاقات الدولية… ويُرجِع بعضهم ذلك إلى الترابط الديني بين “الصهيونية والبروتستانتية” أو للتحالف القائم على المصالح الإستراتيجية بينهما، أو وخصوصا لدور اللوبي وجماعات الضغط اليهودية في الولايات المتحدة عبر منظمة “ايباك” كما أشرنا في بداية هذه المداخلة…
شعبية إسرائيل داخل الولايات المتحدة
وقد كشفت عديد الدراسات والمنتديات التي تم تنظيمها حول هذه “الطبيعة” غير المألوفة في العلاقات بين الدول وآخرها منتدى نظمته جامعة بوسطن الامريكية، أن هناك بعدا آخر أكثر أهمية وربما يفسر كل الأسباب السابقة ويتعلق بحجم شعبية إسرائيل في الولايات المتحدة، والتي تزيد على شعبية الرئيس الأميركي نفسه…
كما كشفت استطلاعات للرأي تجريها مؤسسة “غالوب” بصورة دورية سنوية منذ ،1975 أن شعبية إسرائيل تزيد على شعبية الرؤساء الأميركيين. حيث أظهر استطلاع أجرته المؤسسة خلال الفترة من (3 إلى 18) فيفري الماضي وأوردته قناة “الجزيرة نت” أن شعبية إسرائيل تبلغ 75%، وهي ثاني أعلى نسبة بعد نسبة 79% المسجلة في عام 1991 بعد حرب الخليج أي حرب “انهاء الغزو العراقي” للكويت والتي كانت وللاسف القشة التي قسمت ظهر ما يسمى بـ”الامن القومي العربي”. وهو وضع نشهد تداعياته الآن في “حرب غزة” أيضا…حيث تم تفجير ذلك النظام ولأول مرة من “الداخل”… ونشاهد الان حال العرب الأسوأ والأشد انهيارا وتدهورا منذ مرحلة الاستعمار والتحرر وما يمكن وصفه بـ”الاستقلال الناقص” وللاسف الشديد…
غير أن بعض المعلقين بدأوا يرون في الاونة الاخيرة، وخصوصا عقب ما قامت به اسرائيل في غزة من ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الانسانية، أن هذا التأييد الشامل لاسرائيل قد يضر بالمصالح الأميركية في الوقت الذي لا تكترث فيه إسرائيل بمصالح واشنطن.
ويستشهد البعض بما اقترفته إسرائيل في حق الولايات المتحدة مثل قيامها بتسريب أسرار عسكرية وتكنولوجية أميركية للصين، إضافة للتجسس على الجيش الأميركي نفسه في عدة مناسبات، ورفضها التوصل لجهود واشنطن للسلام في الشرق الأوسط. الأمر الذي يضر بالمصالح الأميركية على المدى المتوسط والبعيد وخصوصا “شعبيا” في العالم العربي والإسلامي.
الأمر الذي كان قد دفع الجنرال ديفيد بترايوس، القائد السابق للقوات الأميركية في أفغانستان، إلى القول أمام لجنة القوات المسلحة بمجلس الشيوخ، إن الغضب العربي المطلق تجاه الولايات المتحدة الذي تسببه القضية الفلسطينية يحدد الدعم وقوة الشراكة الأميركية مع شعوب وحكومات المنطقة، وأن الجماعات المتطرفة تستغل هذا الغضب لتعبئة الدعم المؤيد لها، كما أن استمرار الصراع العربي الإسرائيلي يعطى إيران نفوذا كبيرا في العالم العربي… وهنا بيت القصيد ولعب واشنطن على “التناقضات” الدينية والعقائدية بين السنة والشيعة ممثلة في السعودية وايران مرورا طبعا بالحرب العراقية الايرانية من سنة 1979 الى سنة 1988 وبحزب الله ودوره في لبنان وسوريا والمنطقة…
كما تجدر الاشارة الى أن “الدعم الامريكي اللامحدود وغير المشروط” لإسرائيل قائم بغض النظر عمن يحكم في الادارة الامريكية رغم “بعض الاختلاف النسبي والبسيط” في مدى دعم وتأييد الأميركيين لإسرائيل وفلسطين “شعبيا” بشكل كبير طبقا لطبيعة الانتماء الحزبي وأن النظرة إلى إسرائيل نظرة إيجابية من قبل أغلبية المجموعات الحزبية على مدى العقدين الماضيين، على الرغم من أنها تتلقى باستمرار وتقليديا درجات أعلى من جانب الجمهوريين مقارنة بالديمقراطيين.
وكشف استطلاع لمؤسسة “غالوب” مؤخرا أن 34% في المائة فقط من الأميركيين يؤيدون ضرورة ممارسة المزيد من الضغوط على الإسرائيليين، حيث يعتقد أكثر من ثلاثة أرباع الأميركيين أن السلام الفلسطيني الإسرائيلي مهم إلى حد ما، أو مهم جدا للولايات المتحدة.
الا أن دعم الجمهوريين لإسرائيل ثابت في جميع أسئلة “غالوب” للمشاركين في الاستطلاع، حيث يتعاطف 80% من الجمهوريين مع الإسرائيليين أكثر من الفلسطينيين، وتريد أغلبية قوية من الولايات المتحدة أن تضغط أكثر على الفلسطينيين في المفاوضات، وأقل من نصفهم يفضلون إقامة دولة فلسطينية.
وينظر 66% من الديمقراطيين إلى إسرائيل نظرة إيجابية، لكن الثلثين يؤيدون أيضا إقامة دولة فلسطينية، ويتعاطف أقل من نصفهم أكثر مع إسرائيل في النزاع…. والسؤال المهم الان هو “هل ستغير” حرب غزة” ولو جزئيا هذه الصورة “النمطية” للتأييد الأمريكي شبه المطلق لاسرائيل وتزيد من إمكانية فرض حل “سياسي” ما للصراع ؟
ورقة العنصرية الدينية
يبدو أن الامر لن يكون سهلا بالمرة حسب رأينا المتواضع. لأن رئيس الوزراء “ناتنياهو” عمل ومازال يعمل مع حكومته “العنصرية و الاشد تطرفا” في تاريخ إسرائيل على تحويل الصراع الى “صراع”ديني .وهو ما جعل كل الرؤساء الأميركيين سواء كانوا جمهوريين أو ديمقراطيين يكررون في اجتماعاتهم مع قادة اليهود الأميركيين أنهم لن يفرضوا حلا للصراع، ولن يقدموا على فرض حل على الإسرائيليين أو الفلسطينيين. بل ويؤكدون فقط أن دورهم يتمثل في عرض خطوط عريضة للتفاوض بين الطرفين، أي القيام بدور”الوسيط” لكنه “وسيط منحاز وغير نزيه” وهنا مكمن الفشل في القيام بهذا الدور.
ولاشك أن العامل الديني يمثل حجر الأساس الأهم في مصادر الدعم لإسرائيل داخل الولايات المتحدة، وتؤمن الكثير من الجماعات الإنجيلية بضرورة التعجيل بسيطرة إسرائيل الكاملة على كل أرض فلسطين المقدسة، أو ما يطلقون عليه “الأرض الموعودة” إيمانا منها بأن هذا يسرع من عودة المسيح الثانية وهنا تأتي حرب غزة وخطر تهجير ما تبقى من فلسطينيين منها لا يزال قائما رغم الصمود الأسطوري للمقاومة الفلسطينية وربما اعداد اسرائيل لاحقا لحملة عسكرية مماثلة في الضفة الغربية ولبنان وضد حزب الله لاحقا…
وقد ذكر “والتر راسييل مييد” الباحث بمجلس العلاقات الخارجية الأمريكي خلال محاضرة ألقاها بمنتدى بوسطن مؤخرا “أن التأييد الأميركي البروتستانتي لليهود وإسرائيل كان موجودا حتى قبل أن يطأ اليهود من أوروبا أراضي الدولة الأميركية الناشئة قبل الحرب العالمية الثانية وحتى قبل أن تتأسس دولة إسرائيل عقب تلك الحرب العالمية الثانية سنة 1948…”
ويرى “مييد” أن الأميركيين الأوائل من المتدينين “البروتستانت” كانوا يؤمنون بأنهم “شعب مختار”، وأن مسيحيتهم هي المسيحية الأفضل والأصح، وأن تأسيس الدولة اليهودية في إسرائيل يثبت أنهم شعب مختار أيضا مثل اليهود، وأن الرب يبارك أميركا، وأنهم مباركون من الرب، وأن نجاح الإسرائيليين هو نجاح للأميركيين…..
ولكن رغم ذلك فقد كانت بعض الأصوات المعارضة تظهر لهذا التوجه الصهيوني الديني المتطرف قبل أن يتحرك “اللوبي الصهيوني” لاسكاتها في الكونغرس خصوصا خلال حكم الرئيس الأسبق باراك أوباما.
فقبل انتهاء حكم الرئيس باراك أوباما في بداية عام 2017 بفترة وجيزة توصلت واشنطن لاتفاق مع إسرائيل تقدم بموجبه 38 مليار دولار للجيش الإسرائيلي على مدى عشر سنوات، وهي أموال تستخدم للمساعدة المباشرة وغير المباشرة في قمع الاحتلال للفلسطينيين. ولم يعترض أعضاء الكونغرس على هذه الاتفاقية وهي الأموال التي تستخدم الآن أيضا لابادة سكان غزة وابتلاع الضفة الغربية والقدس الشرقية اضافة الى المليارات الاخرى من الدولارات التي خصصتها إدارة الرئيس بايدن لإسرائيل في “حرب غزة”.
معارضة محتشمة لكن…
وعلى الرغم من قوة الدعم لإسرائيل بين الشعب والساسة في الولايات المتحدة، فقد عرفت بعض الأصوات المهمة طريقها لمعارضة إسرائيل خلال السنوات القليلة الماضية ويتعرض الرئيس الأمريكي جو بايدن حاليا لضغوط متزايدة لكبح جماح الحرب الإسرائيلية ضد حركة حماس في غزة.
وقد أثار سقوط آلاف من المدنيين والظروف الإنسانية البائسة قلق الحلفاء العرب، ولكنه أثار أيضاً مستوى غير عادي من الانتقادات داخل المجتمع الأمريكي والإدارة نفسها.
وقال آرون ديفيد ميلر، الذي عمل مستشاراً للعلاقات العربية الإسرائيلية خلال فترة عمله في وزارة الخارجية الأمريكية لمدة 25 عاماً “لقد أذهلتني حدة هذه الأحداث، لم يسبق لي أن رأيت شيئاً كهذا من قبل” في إشارة إلى حدة الانتقادات الداخلية لموقف إدارة بايدن من الحرب.
ومثل رد فعل السيناتور “اليساري” المعروف والمرشح الرئاسي الديمقراطي في مناسبات انتخابية عديدة دون أي فرصة للفوز “بيرني ساندرز” وكذلك السيناتورة الديمقراطية “إليزابيث وارين”، المعارضين للعنف الإسرائيلي والمطالبين بوقف الهجمات الإسرائيلية على الفور، مفاجأة للكثير من المراقبين. وانضم ولاول مرة في تاريخ الكونغرس الآن أكثر من 25 نائبا من أعضاء مجلس النواب لدعوات ساندرز ووارين بوقف الهجمات الاسرائيلية على الفور على المدنيين العزل في غزة…
كما دعا ساندرز، إلى ضرورة وقوف أميركا مع “حقوق الفلسطينيين” وحياتهم مثلما تدعم حق إسرائيل بالدفاع عن نفسها, وقال ساندرز في مقال رأي نُشر في صحيفة نيويورك تايمز مؤخرا، إن “لإسرائيل الحق في الدفاع عن نفسها” وهي عبارة يرددها الديمقراطيون والجمهوريون على حد سواء كلما تعرضت إسرائيل لهجوم صاروخي من قطاع غزة، ورغم تأكيده على هذا الحق للحكومة الإسرائيلية تساءل السيناتور الأميركي : “لكن ماذا عن حقوق الفلسطينيين؟”
ورأى السيناتور الأميركي أن لدى بايدن الفرصة لتبني مقاربة عادلة وأنه يجب أن تتبني أميركا سياسة أكثر عدلا بين طرفي النزاع. الا أنه وعلى الأرجح ليست المعارضة الداخلية، الأمريكية هي التي قد تحدث “تغييرا”ما في الموقف الأمريكي من “الصراع الفلسطيني الإسرائيلي” بل إن الأمر سيتطلب على الأرجح حدثاً خارجياً “مثيرا” في “الحرب” الدائرة في غزة مثل إطلاق سراح جميع الرهائن الذين تحتجزهم حماس أو”عملية” إسرائيلية واحدة تؤدي إلى خسائر بشرية كبيرة غير مسبوقة دفعة واحدة في صفوف الفلسطينيين، على الرغم من أن الحد المطلوب في هذا الشأن قد تم رفعه إلى حد كبير وبلغ عدد الشهداء من المدنيين خصوصا من الأطفال والنساء مستويات “وحشية غير مسبوقة” في مثل هكذا حروب حتى الآن.
وهناك أيضاً مخاطر سياسية حقيقية على الرئيس بايدن في خضم “حملة الانتخابات الرئاسية” المقبلة. فالجمهوريون والديمقراطيون التقليديون يتضامنون مع إسرائيل، لكن المخاوف داخل التيار الأصغر سنا والأكثر يسارية في الحزب الديمقراطي آخذة في التزايد. وقد أرسل موظفو حملته الانتخابية السابقون رسالتهم الخاصة إلى الرئيس يطالبونه فيها بالدعوة إلى وقف إطلاق النار.ومن السابق لأوانه الحديث عن كيفية تأثير هذه المشاعر على حملة بايدن لإعادة انتخابه العام المقبل، لكن من المؤكد أنه يسير على حبل رفيع. لقد أخبر موظفو الحملة الانتخابية بايدن أن الطريقة التي يخوض بها القادة الاسرائيليون هذه الحرب ستحدد ما يمكن تحقيقه في أعقابها، وإن مدى قدرة بايدن على التأثير أمر مهم، لأن اسمه (أي بايدن) سيقترن بهذه الحرب مهما كانت النتيجة.فهل ستجد مثل هذه الأصوات الجديدة والمتزايدة قطعا أمام ما اقترفته اسرائيل من جرائم فضيعة غير مسبوقة خصوصا ضد الرضع والاطفال والنساء والشيوخ آذانا صاغية في الادارة الامريكية ؟ أيا كان اسم الرئيس المقبل في البيت الأبيض وهل سيحسن الفلسطينيون والعرب توظيف هذا “التطور الايجابي” في الرأي العام الشعبي والرسمي “في العالم والولايات المتحدة سياسيا واعلاميا لصالح القضية الفلسطينية العادلة؟ لاسيما وأن “الظروف والمقومات والشروط” للتوصل الى “حل” للقضية الفلسطينية على أساس “الدولتين أو الثلاثة دول” تزداد صعوبة يوما بعد يوم و”استعصاء” نظرا لمضي اسرائيل في تدمير كل “مقومات الحياة” للفلسطينيين سواء في غزة أو في الضفة الغربية بحيث يصبح أي “كيان” قد يتم التفكير فيه أو منحه للفلسطينيين “كيانا غير قابل الحياة” أصلا…هذا هو السؤال الذي ستجيب عليه الاشهر حتى لا نقول السنوات القليلة المقبلة والتي ستكون قطعا حافلة بعديد “المفاجات” وربما “الزلازل” الارتدادية السياسية والاجتماعية في عديد الدول في المنطقة المشابهة لزلزال “طوفان الاقصى” و”حرب غزة” مع العلم وأن “الخلافات البينية” العربية العربية من أجل “النفوذ” والسيطرة على “القرار الفلسطيني” في مرحلة ما بعد غزة والتفاوت “الواضح” و”المفضوح” أحيانا في المواقف العربية مما يجري في غزة لا يخدم القضية الفلسطينية بأي شكل من الأشكال.
ملاحظة : العناوين الفرعية من اعداد ادارة التحرير
*تم تقديم ملخّص لهذا النص خلال الندوة الفكرية التي نظمتها جمعية علوم وتراث بالقلعة الكبرى يوم السبت 25 نوفمبر تحت عنوان "دور النخبة التونسية في دعم القضية الفلسطينية ** كاتب صحفي وإعلامي