متابعة عاصفة العذيان التي اجتاحت الموقع الافتراضي فايسبوك عند الحديث لتقديم لقاح ضدّ الورم الحليمي البشري (HPV) ألقت بي في خانات الذاكرة حيث أحتفظ بموقف مبك مضحك شهدته دوة الوطنية حول إدماج التربية الجنسية في البرامج التعليمية.
قبل 6 سنوات، هدد أحد المتدخلين في الندوة بمقاضاة القائمين على المشروع لأنه يهدف لتعليم الذكور كيف يستعملون الواقي الذكري وتعليم الإناث طرق الوقاية من الحمل، في تسطيح للتربية الجنسية التي لا يختلف إثنان على أهميتها.
ويبدو أن هذا المتدخل ليس حالة معزولة تحلل الأمور في مساحتها الضيقة، مع مراعاة حقه وحريته في التعبير عن رأيه، بل إنه امتداد لشريحة واسعة ممن يحللون كل المسائل من منظور ضيق تطغى عليه نظرية المؤامرة.
وإن كانت المؤامرات شيئا ملموسة في تفاصيل كثيرة ولكن الإطناب في الحديث عنها وتعليق كل القراءات عليها يصل مرحلة الهوس الذي يجعل من صاحبه محل استهزاء إذ أن لا شيء غير ذلك يمكن أن يستوعب فكرة أن الغاية من اللقاح ضدّ الورم الحليمي البشري قطع النسل التونسي.
أي عقل يمكنه أن يصدّق أن الهدف من هذا اللقاح تغيير الشخصية والجنس وغيرها من العلاقات الأخرى التي تمضي في طريق متقاطع مع الجهل والتخلف متواز مع العلم والتقدم.
والهذيان لم يتوقف عند هذا الحد بل إنه بلغ الحديث عن تنفيذ الأجندة الصهيونية النازية لمنظمة الصحة العالمية وشركات الأدوية الكبرى والحال أن دراسات عديدة أثبتت نجاعة هذا التلقيح.
وقد كشفت دراسة أنجزها مخبر تابع لمعهد باستور تونس حول كلفة وتأثيرات التلقيح ضد فيروس الورم الحليمي البشري، أهمية هذا التلقيح كخطوة فعالة في الحد من معدلات الإصابة بسرطان عنق الرحم.
كما لفتت الدراسة إلى أن التلقيح ضد فيروس الورم الحليمي البشري (HPV) يحد من التكاليف الباهظة لعلاج سرطان عنق الرحم في مراحله المتقدمة.
ويؤدي فيروس الورم الحليمي البشري في ظهور أنواع من السرطانات، أبرزها سرطان عنق الرحم، لكن يمكن التوقي منه بالتلقيح والفحص المبكر، بحسب الدراسة.
ويأتي سرطان عنق الرحم في المرتبة الرابعة لأكثر الأمراض السرطانية انتشارا لدى المرأة في تونس خلال سنة 2023، وذلك استنادا إلى إحصائيات رسمية من قسم الوبائيات بمعهد صالح عزيز بالعاصمة.
وتشرع وزارة الصحة خلال هذه السنة في إدراج التلقيح ضد سرطان عنق الرحم لأول مرة ضمن الرزنامة الوطنية للتلاقيح ليشمل الفتيات المتراوحة أعمارهن بين 12 و14 سنة.
ولكن يبدو أن الوزارة مطالبة بإخراج تلقيح ضد سرطان الغباء الذي يضرب بعض العقول ويدفعها إلى الوقوف في وجه إجراء من شأنه أن يقي الفتيات سرطان عنق الرحم بتعلات مضحكة على غرار ضرب خصوبتهن.
وبعيدا عن كم التخاريف الذي غزا الموقع الافتراضي فإنه من الضروري فإن اللقاحات موضع الحديث تم اختبارها على نطاق واسع وأثبتت نجاعتها وفعاليتها على المدى الطويل.
وفي الأثناء يتوجب على وزارة الصحة أن تطلق حملات توعوية بخصوص اللقاح المضادّ الورم الحليمي البشري لتتصدى لموجة الجهل والتخلف وما ينحر عنها من انعكاسات.