“إلى روح سائقي محيي الدين” عبارة تزين الشاشة في نهاية فيلم “سلمى وقمر” للمخرجة عهد كامل ونمسك معها طرف الخيط الذي نسجت منه حكاياتها التي تنطلق من مساحات ذاتية وتنزلق إلى مساحات جماعية مشتركة
ويبدو أن حضور السائق في حياة عهد كامل كان فارقا وهو ما يفسر الحيز الدرامي الذي وهبته إياه في فيلمها من خلال شخصية “قمر ” السائق السوداني الذي تتفرع على إيقاع علاقته ب”سلمى” تيمات كثيرة.
جدة في فترة التسعينات، المراهقة، الانفتاح في مواجهة التعصب، التيارات الموسيقية والفنية، الباطرياركية وغيرها من التيمات تجلت على إيقاع سرد بصري يراقص الزمن وتطوراته السريعة.
في بيت تعلو جدرانه وتتسرب الرتابة من بين فجوات الحواجز التي تحاوط المسبح، تتحرك الشخصيات في عوالم سجنية رغم ما تحيل له من رحابة وتتصارع بين مسلمات حتمية ورغبات جامحة.
في ثنايا المجتمع السعودي في فترة التسعينات ترمينا عهد كامل وتشد شخصياتها على أيادينا وهو توغل بنا في شريط ذكرياتها الذي تتكاثر فيها طموحات الفتاة السعودية الحالمة التي لا تتوانى عن التمرد حتى ولو كان على نفسها.
مفارقات كثيرة رسمتها المحرجة عهد كامل وهي تشكل مساحة من الأمان في محيط مهاجر سوداني حياته معلقة بين عالمين، مساحة تهرع إليها “سلمى” لتستريح من تعب الحياة.
فيما يغيب الأب وتغرق الأم في هوسها بالمائة والوصاية تتجذر فكرة التمرد في داخل “سلمى” التي تنسج رابطا خاصا مع سائقها الذي صار يمثل لها ميناء سلام وسط كل الذكريات المبعثرة التي استحضرتها عهد كامل.
في متحف عبد الرؤوف خليل البيت تأسس في السنة ذاتها التي يتخذها الفيلم زمنا دراميا تشكلت مشاهد الفيلم التي تراوح بين تفاصيل هذا المكان المشحون بالذكريات كورنيش جدة الشاهد على تحولات شخصية “سلمى”.
قصة من قلب المجتمع السعودي ترويها عهد كامل بأسلوب يقف بين الدراما الاجتماعية والسيرة الذاتية المبتكرة التي تتفحص فيها ذاكرتها وما علق فيها من أحداث ومواقف وتعيد صياغتها في الراهن.
الفيلم يسير بخطى هادئة تتسارع مع اقتناص اللحظات لسرقة هوامش من الحرية بعيدا عن الرقابة الأبوية، هذه الخطى تغرق أحيانا في البطئ والرتابة على أعتاب العلاقات الإنسانية بين الشخصيات.
بعض المشاهد بدت ممططة ولكنها تفاصيلها قد تشي برغبة المخرجة في التقاط الذكرى على إيقاع بطيئ وتخليدها في لقطات طويلة تترنح على وقعها الحبكة وتتأرجح انفعالات المشاهد الذي يترقب مآلات هذه الحكاية غير الاعتيادية
فرادة القصة في “سلمى وقمر” تأتي أولا من التطرق لفترة لا تملك فيها المرأة السعودية السلطة على نفسها لقيادة سيارة وما يستوجبه من تخصيص سارق وثانيا من المراوغة التي تنبني على إيقاع وهم ارتبط بطبيعة المشاعر بين الثنائي.
وإن غاب عن الفيلم أي تحولات جوهرية تفرضها آثار السنين المتواترة باستثناء شخصية سلمى إلا أن سردها الحسي كان واقعيا ومنساب بنسق مضت عليه الأحداث في اتجاه الانفتاح والانفراج قبالة الكورنيش بما يحمله من دلالات ورمزيات.
بين النبش في المجتمع السعودي فترة التسعينات وما شهدته من تحولات تجلت في موسيقى الفيلم والأزياء وقصص الحب الجريئة والحفلات الصاخبة حضرت السودان وفلسطين في إسقاطات توقف معها الزمن على وقع المأساة.
مسارات متعددة رسمها فيلم “سلمى وقمر” فيما تحرك الممثلون رولا دخيل الله، مشعل تامر، مصطفى شيحاطا، رنا علم الدين، قصي خضر في ثنايا شخصياتهم بشكل متفاوت تجلى بوضوح في المشاهد الثنائية وفي المشاهد التي ترصد الصراعات الداخلية للشخصيات.
هذه الشخصيات تحركها العاطفة على امتداد الفيلم وتسبق مشاعرها تفكيرها بما خلق مساحة من البساطة التي تراود وجدان المشاهد فيما غابت أحيانا مؤثرات وتأثيرات حسية كان يمكن أن تحمل بعض المشاهد إلى زوايا أخرى تستخبر الدواخل أكثر.
ورغم انفراط خط السرد أحيانا على إيقاع مشاهد مكررة أو مستنسخة فإن فيلم “سلمى وقمر” جدير بالمشاهدة لما يحمله من قصص زادها الحنين والتوق إلى الحرية والتصالح مع الماضي.