“أقسم بالله العظيم أن أتفانى في خدمة الوطن والدفاع عن حوزته وحماية مؤسساته الشرعية ومكاسبه من كل خطر أو عدوان داخلي أو خارجي وأن أحترم قوانين الدولة و أقوم بعملي بكل شرف و أمانة في كنف الطاعة والانضباط كي تبقى تونس حرة منيعة أبد الدهر أبد الدهر أبد الدهر.”، دوى القسم العسكري في أرجاء المدرسة التقنية لجيش البر ببنزرت.
وتماهت أصوات المتربصين وانصهرت أنفاسهم مع خفقان العلم الذي جعلوه في قلب المجموعة حينما شارف تدريب عسكري على نهايته فيما رفرفت الراية التي تعلو المبنى الذي تروي تفاصيله حكايات ضاربة في القدم، مبنى كان وجهة الصحفيين في إطار الزيارات الميدانية التي تنظمها وزارة الدفاع لفائدة وسائل الإعلام الوطنية.
من هذا المبنى الذي يحمل البصمة المعمارية الإيطالية، والذي مازال محافظا على ملامحه الأصلية على قدمه بفضل الصيانة الدقيقة والدورية، مر المستعمر الفرنسي إذ كان ثكنة عسكرية لفائدة المستعمر الفرنسي إلى غاية الاستقلال عام 1956 وعلى أعتابها استشهد 51 عسكريا تونسيا في حرب الجلاء عام 1961.
وقبل أن يصبح المبنى مقرا للمدرسة التقنية لجيش البر حيث يتسلح المتربصون بها باختصاصات مختلفة تصب في خدمة المؤسسة العسكرية عام 1991 كان مقرا للمعهد الثانوي العسكري في الفترة الممتدة من عام 1969 إلى عام 1989.
وانت تتأمل في تاريخ المكان في عرض قدمه آمر المدرسة تتواتر عليك صور كثيرة وتتفكر في كل تلك الأقدام التي خطت في دروبه، قبل أن تنغمس في شعارها الذي يعد بمثابة السيمفونية التي تصدح فتوشح الأثير “الطموح والعلم والمعرفة”.
هذا الشعار يتضمن ثلاث كلمات مفاتيح تختزل فلسفة المدرسة التي تطوع كل الظروف والإمكانيات لصنع الأمل وتتحدى المستقبل بعناصر بشرية أثبت كفاءتها وطنيا ودوليا على غرار الرائد أحلام الدوري وهي خريجة المدرسة وأحد إطاراتها.
وقد تم تكريم الرائد أحلام الدّوزي، بمقر منظمة الأمم المتّحدة بنيويورك، بمنحها جائزة الرّيادة الأمميّة “Trailblazer” كأفضل عنصر نسائي في مجال العدالة والإصلاح لسنة 2024 ببعثة الأمم المتّحدة لتحقيق الاستقرار بجمهوريّة الكونغو الدّيمقراطيّة.
والرائد أحلام الدوزي خبيرة مع بعثة الأمم المتحدة بجمهورية الكونغو الديمقراطية متخصصة في الذخيرة والأسلحة منذ ماي 2021، وهي أحد الأمثلة على كفاءة إطارات المدرسة وخريجيها.
وما تنفك المدرسة التقنية لجيش البر تخط بصمتها داخل حدود الوطن وخارجها سواء من خلال مشاركتها في المهام الأممية من ذلك نشر سرية تدخل سريع وفيلق مشاة خفيف بجمهورية افريقيا الوسطى في إطار حفظ السلام وتحقيق الاستقرار تحت راية الأمم المتحدة أو أيضا من خلال تكوين المتربصين من دول شقيقة وصديقة ويبلغ عددهم في السنة التكوينية 2023 /2024، 20 متربصا من بوركينا فاسو والكاميرون والغابون ومالي وموريتانيا والنيجير والسينيغال.
وإلى جانب الدفاع عن حرمة الوطن الذي يعد الهدف الأسمى للمؤسسة العسكرية التونسية، توفر المدرسة للعسكريين من مختلف الأصناف التابعين لوزارة الدفاع الوطني والأفراد التابعين للهياكل والمؤسسات الوطنية، العسكريين من الدول الشقيقة والصديقة، في إطار التعاون الدولي تكوينا وتربصات في اختصاصات مختلفة.
وهذه الاختصاصات تترجم شعار المدرسة وتتمثل في الاختصاصات الإدارية والذخيرة والأسلحة والمعدات الدارجة والوقود وهي موجهة للضباط وضباط الصف ورجال الجيش الذين يتلقون تربصات تكوينية وتأهيلية.
ولأن العنصر البشري هو المورد الأغلى والأهم، والركيزة الأساسية في ديمومة واستمرارية المؤسسة العسكرية وجاهزيتها في الدفاع عن حرمة الوطن وسيادته فإن المؤسسة العسكرية تسعى دائما إلى الاستثمار في أبنائها وبناتها، وفق حديث آمر المدرسة.
وجولة خاطفة في ثنايا المدرسة التقنية لجيش البر والورشات التطبيقية التابعة لها والتي تقع خارج مبناها تثبت الحرص على تنويع العلوم والمعارف للاستجابة لطموحات “روّاد”، إذ تعنى باللغات والأسلحة والذخيرة والرياضة ورشات الميكانيك وتحتضن مكتبة تضم 6500 مرجع.
وقبل مغادرة المدرسة إلى مقر الورشات التطبيقية حيث يتدرب المتربصون على تصليح المعدات الدارجة، والخراطة، واللحامة، والمحركات، والتجهيزات الكهربائية، شهد بهو المدرسة الممتد تمرين مناورة قوة يتمثل في إخلاء عربة معطبة وجرها بعربة مختصة.
وفي دروب المدرسة التقنية التي تحتوي على قاعات دروس مجهزة حسب كل اختصاص وقاعة محاضرات تغوي بالالتحاق بصفوفها ترجمة للحرص على جودة التكوين التي تظهر كفاءة الإطارات وتنظيم التربصات البيداغوجية للمدرسين والتأهيل والتكوين المستمر في الاختصاص للمدرسين ومراجعة وتحيين برامج التكوين والتدريب وملاءمتها للمهمة والحاجيات.
وجودة التكوين تتأتي أيضا من مواكية مناهج التكوين طبقا للحاجيات العملياتية والتكنولوجية، بالإضافة إلى مراجعة وتحيين مراجع التدريس في الإختصاص، والمراقبة والتقييم المستمر، والرقمنة وإعتماد الوسائل الحديث.
وتحقيق جودة التكوين هو نتيجة للمهام الموكولة للمدرسة والتي تشمل إعداد برامج التكوين لمختلف التربصات ودورات التأهيل، وتجميع المراجع والمؤلفات المتعلقة بمجالات التكوين والاختصاص، وتوفير المعينات البيداغوجية اللازمة.
وللمدرسة، أيضا، مهام وأنشطة ذات طابع عام على غرار المساهمة في حفظ النظام، والمساهمة في عمليات النجدة وحماية المواطنين من الكوارث والآفات الطبيعية والصحية، والمشاركة في تأمين المواعيد الوطنية مثل الإنتخابات، والمشاركة في الحملات الوطنية وتفعيل الهوية الرقمية، والتبرع بالدم.
كما تساهم في المجهود الوطني من خلال المشاركة في معاضدة مجهودات الدولة في التنمية، والمساهمة في تكوين مختصين في كشف وتفجير مخلفات الحرب، والمساهمة في التدخل أثناء الحوادث والكوارث الطبيعية، وتكوين مدرسي التكوين العسكري المهني لفائدة الشبان المدنيين.
هذه المدرسة الزاخرة بحكايات مدادها “العلم والمعرفة والطموح” تأسرك بتفاصيلها التاريخية والمعمارية والعسكرية وإن غادرتها فإنها لن تغادرك وسيظل صوت المتربصين عالقا بذاكرتك وهم يرددون والعلم يهتز على سواعدهم “وَطَنِي وَطَنِي..غالِي الثَّمَن رُوحِي مَالِي..نَفْسِي بَدَنِي وَأَنَا الْحَامِي..لَك فِي الْمِحَن لتعش حُرًّا..طُولِ الزَّمَنِ”.