مع عرض باب الوسط بلغ الحس مداه في الدورة العاشرة من أيام قرطاج الموسيقية التي تحمل شعار “زيد في الحس ” وعلى ركح مسرح الجهات تكثف الحس في معانيه الكثيرة وتجلت ملامح موسيقى معمدة بالحرية.
هذه المجموعة الموسيقية التيي تأسست عام اثني عشرة وألفين مطرزة بالشغف والصداقة التي ربطت بين أعضائها الثلاث وتمتّنت على أعتاب الفن الذي يجوبون في تفاصيله يجرّبون ويستكشفون ويخلقون أسلوبهم الخاص بهم.
بين المغرب والجزائر وتونس وفرنسا تتحرك ألحان المجموعة التي تسربت طاقتها الجياشة إلى الجمهور في ثنايا القاعة منذ النوتات الأولى التي آمنت بعرض مدادها من حرية.
وعلى الركح تراءى شغف المجموعة بالموسيقى وتلقينها وإيمانهم بالحرية والوطن والأرض وبدت المجموعة المحملة بالتجارب أشد نضجا وأكثر عطاء إذ لم تتوقف عند الثلاثي الذي أسسها بل كانت في كل مرة تضيف روحا جديدة.
وعلى إيقاعات الروك أند رول والالكترو والإيقاعات المغاربية وغيرها من الموسيقات تعالت كلمات تنتصر للإنسان للحرية وللأرض وتصدرت غزة المشهد كله حينما استحضرها العازف والمغني حبيب فروخ.
لغزة صدح صوت فروخ في يوم صار فيه المستحيل ممكنا ورضخ الاحتلال لمطالب المقاومة ولم تذهب الدماء الزكية سدى وابتسمت شارات النصر وسط الجمهور.
قدرة رهيبة أبدتها المجموعة في الانتقال بين حالات مختلفة وبين أنماط متنوعة وبين ثيمات متعددة وزادها تجارب فنية وإنسانية وسعي دائم للبحث في مساحات مغمورة وإلقائها في دائرة الضوء.
في موسيقى المجموعة الكثير من الحياة، من الثورة، من الحرية، من الحب، الكثير من كل شيء جميل كفيل بأن ينسيك رتابة الواقع وهمه ويلقي بك في يم من المشاعر الصادقة المتسربة من بين الكلمات المعمدة باللهجة المغربية.
رسائل كثيرة تناثرت على الركح تحمل هموم الحاضر وتنغمس في الأصول والجذور عبر حكايات شاعرية يختلط فيها الروك أند رول بالإيقاعات المغاربية لكتابة نشيد العودة إلى الذات والتواصل مع الطبيعة.
رغم التحام المجموعة بواقعها الذي لا يخلو من السودانية إلا أنها خلقت من الموسيقى سبلا للتفاؤل واندفعت بها إلى الأمام وكان ألبومها الأول “داور” ومن ثم “حدود” وبعده “أمان”، وكل عنوان مؤلف من كلمة واحدة تزخر بالمعاني.
وحتى في تواتر الألبومات تسلسل منطقي يختزل روح المجموعة التي انطلق كل عضو فيها من “دوار” وتعني الكلمة القرية ومنها كسر كل الحواجز بحثا عن المعنى فكانت نهاية “حدود” لا يراها من تعلق طرف قلبه بالأمل، ومن هذا المنطلق خيم “أمان” متدفق.
من هذه العوالم المفعمة بالمشاعر نهل عرض المجموعة في أيام قرطاج الموسيقية وتأرجحت تفاصيله بين الأصالة والحداثة وامتدت السبل بين أصول العازفين المختلفة والتقى الشعبي والروك الصحراوي والديسكو راي والفولك والروك آند رول.
وعلى الركح تشكلت حالة من الانسجام بين أعضاء المجموعة والجمهور الذي تساعد منسوب حماسته حتى دنا أغلبه من الركح حيث توحدت انفعالاته مع انفعلات المجموعة وكان الرقص سيد التفاعلات.
بين العزف والغناء تنقل حبيب فروخي ولون بصوته الصادر من أعماق قلبه الحياة وبث هواجسه في غيتارته ونثر ما يعتمر في صدره على الطبل فيما رسخ كليمون فالان بصمته المميزة في النغمات التي يخليها حينما يتماهى مع آلة الباص خاصة حينما يحملها إلى غير عوالمها.
وأما حمزة بن شريف فصوته يعاضد صوت حبيب فروخ وتتسرب نغمات غيتارته الكهربائية لتضفي مسحة خاصة على موسيقى مجموعة باب الوسط تعزز مع إيقاعات الدرامز التي يوجدها حفيظ سعيد وتحمل كل صخب الحياة على الركح.
وفي الأثناء تتجلى نغمات القانون إذ يستنطقه نضال جوة ويستدر السحر الكامن في تفاصيله وتتشكل عوالم موسيقية تتماهى فيها نغمات مختلفة وتتوحد لتصنع موسيقى تعبر عن الإنسان، شواغله، تثور معه وتشد يده في تطرده وتطمئنه وتهمس في أذنه بنشيد الحرية.
الموسيقى الامازيغية، القناوة، الموال في قلب عرض باب الوسط الذي حضرت فيه آلة الشقاشق التي هزها كل من حبيب فروخ ونضال جوة ورقصت معها وبها وراقصا الجمهور الذي لا يظل الطريق إلى جذوره.
“باب الوسط”، رحلة ساحرة في عوالم موسيقية مختلفة ومتشابكة تجعلك جزءا منها بكل ما أوتيت من حرية إذ تُجيد إيقاف حركة الوطن وهي تناجي القلب والروح بإيقاعاتها النابعة من رحم الأرض التي تدعونا إلى مواساتها وتجنب تعذيبها.