كان عشاق الموسيقى العربية، أمس، على موعد مع عرض موسيقي مميز بالمسرح البلدي بالعاصمة حيث ترسم أوركسترا “مزّيكا” ملامح أُخرى للموسيقى العربية بقيادة الفنانة أمل القرمازي.
وبعد سلسلة من الحفلات في أوروبا وأمريكا وصولا إلى المغرب مؤخّرا، تحطّ مزّيكا الرّحال لأوّل مرّة في تونس بحضور صوتين تركا بصمتهما في المشهد الموسيقي محرزية الطويل ومهدي عيّاشي.
رؤية أُخرى للموسيقى العربية
ولمن لم يصادفه فيديو لأوركسترا “مزيكا” أو لن يحضر حفلة من حفلاتها، هي مشروع موسيقي تشكلت نواته الأولى قبل أكثر من عشر سنوات كفرقة شرقية صغيرة تقدم حفلات محدودة في العاصمة باريس.
وفي عام 2018، أزهرت النواة وصارت “أوركسترا مزيكا” حينما التقى مؤسس الفرقة شادي حاكمة بعازفة الكمنجة أمل القرمازي، التي تولت القيادة وسعت إلى تقديم رؤية جديدة للموسيقى العربية.
وهذا المشروع الموسيقي يساند ألى المعايير العالمية وينتهج الدقة لتقديم الموسيقى العربية بصورة راقية وعالية الجودة بأسلوب مبتكر يجمع بين الأصالة والحداثة دون أن يمس بجوهر الطابع الشرقي المميز.
أصلها ضارب في الموسيقى الشرقية وفرعها ممتد في الموسيقى العالمية بفضل التعاون مع مؤسسات موسيقية أوروبية مرموقة مثل الأوبرا والفيلهارموني الذي انعكس على تطور “مزيكا” لتصبح أوركسترا أوروبية تضم موسيقيين عالميين.
وتعمل “مزيكا” على إحياء الموسيقى العربية من المحيط إلى الخليج والاحتفاء بها، دمجها بالموسيقى العالمية مع الحفاظ على الطابع الأصيل لكل نمط موسيقي..
ويقدم عازفو أوركسترا وكورال “مزيكا”، الأغاني في حلتها الجديد ويستضيفون في كل مرة مؤدين أو مطربين بحسب طبيعة كل مشروع.
وتلتزم “مزيكا” التي تمثل مشروعا فريدا مستقلا، بتقديم حفلات حية بأسلوب مختلف وجودة عالية، تجد طريقها بسهولة إلى الجمهور وتحافظ على قيمتها الفنية وتتعتق مع مرور الزمن.
ويتشكل جمهور “مزيكا” من الجاليات العربية المقيمة في أوروبا، التي تسافر من مختلف المدن والبلدان الأوروبية خصيصًا لحضور حفلاتها بحثًا عن تجربة موسيقية حية تُقدَّم بجودة عالية وأسلوب مميز، بعيدًا عن الطابع التجاري والاستهلاكي الطاغي على السواد الأعظم من الحفلات.
ومع تواتر الحفلات تزايد اهتمام الفرنسيين والأوروبيين بالمشروع الذي يتميز عن غيره بخياراته الفنية التي تقوم على شد الجمهور انطلاقا من الحفر في الذاكرة الموسيقية وتوشيحها بمسحة حداثة دون الوقوع في طمسها أو تشويهها.
ولا يقتصر أوركسترا “مزيكا” على أداء نوع محدد من الموسيقى بل يشمل أنماط موسيقية مختلفة بفضل تنوع الموسيقيين ومستواهم الاحترافي فتظهر الموسيقى العربية الكلاسيكية، والبوب، وحتى الأغاني الفلكلورية.
وتعيد المجموعة تصور الأعمال الموسيقية وصياغتها بأسلوب أوركسترالي سلس، الأمر الذي يميزها ويشهد طريقها نحو الجمهور العربي والغربي على حد سواء.
وفي سياق التوثيق للموسيقى العربية الترتيب في الغالب عن السجلات، تضع قائدة أوركسترا مزيكا أمل القرمازي على عاتفها مسؤولية توثيق التراث الموسيقي العربي وتدوينه من ناحية، وإعادة صياغة الألحان والتوزيعات بهدف تطوير هذا الإرث وتقديمه في قالب أوركسترالي عالمي من ناحية أخرى.
وفي هذا السياق لا تخفي أمل القرمازي شعورها بفخر كبير بالمرحلة التحضيرية لهذه العملية، حيث تتخيل وتبتكر أشكالاً جديدة لموسيقى مألوفة، مما يمنحها طابعًا مميزًا ومفاجئًا للجمهور، ويعيد تقديمها بروح مبتكرة تليق بالمشهد الموسيقي المعاصر.
وقد استضافت الأوركسترا مجموعة من الفنانين الذين خلقوا لأنفسهم قاعدة جماهيرية ممتدة من بينهم الفنان اللبناني رامي عياش والفنانة التونسية صوفيا صادق، وغيرهم.
وتعتمد معايير اختيار الفنانين على التمتع بمستوى موسيقي رفيع وأداء حي يُضاهي أو يتفوق على تسجيلاته الاستوديو، والتميز بصفات إنسانية تؤهله للتعاون والعمل الجماعي، مع إيمانه برؤية الأوركسترا لتقديم تجربة موسيقية استثنائية
أمل قرمازي أوّل قائدة أوركسترا تونسية في أوروبا
من العزف على آلة الكمنجة تفرعت مسارات أمل القرمازي الفنية حتى أصبحت أول قائدة أوركسترا تونسية في أوروبا وتلفت إليها الأنظار لجمعها بين الحس الفني المرهف والأدوات الأكاديمية.
وعن هذه التجربة تقول القرمازي إن عزف الكمان يختلف تمامًا عن القيادة، حيث يركز العازف على أداء مقطوعات موسيقية معقدة تتطلب دقة عالية، سواء كانت أعمالًا صعبة أو أغاني معروفة تُعاد صياغتها في قالب موسيقي جديد، مما يستدعي مهارة فنية متقدم.
وتضيف “أما القيادة، فتنطوي على تحضير التوزيعات الموسيقية وكتابة الألحان، إلى جانب إدارة الموسيقيين وضمان تناغمهم. يجب على القائد أن يكون ملمًا بجميع تفاصيل الأوركسترا، من تنسيق الصوت بين الآلات إلى الإشراف على الأداء الجماعي، مما يضمن تقديم تجربة موسيقية متكاملة ومتناغمة.”