يبدو أن الأزمة بين المحامين ورئيس الجمهورية قد استعرت وتصاعد دخانها إثر الأحداث الأخيرة التي شهدتها دار المحامي أثناء القبض على المحامية سنية الدهماني والمحامي مهدي زقروبة.
ولئن يتسم المشهد في كل تفاصيله بالعبث والغموض وبمسحة سينمائية تظهر في محاولة استعراض القوى بأشكال مختلفة فإن الأكيد أن الأزمة باقية وتتمدد خاصة بعد البيان الأخير لهيئة المحاماة وبلاغ رئاسة الجمهورية عن لقاء الرئيس قيس سعيد بوزيرة العدل ليلى جفال الصادرين أمس.
“لا أحد فوق القانون والجميع متساوون أمامه” أكد رئيس الجمهورية لوزيرة العدل في رسالة موجهة إلى كل القطاعات والأسلاك بما فيها هيئة المحامين بألا حصانة لأحد.
لكنه شدد على أنه لا وجود إطلاقا لأي مواجهة مع المحامين كما يتم الترويج لذلك، قائلا ” فكما أن حقّ التقاضي مضمون فإن حقّ الدفاع بدوره مضمون كما ينصّ على ذلك الفصل 124 من الدستور.”
في هذا القول تكذيب ضمني لتصريحات وبيانات المحامين وهيئتهم واعتبرها محض إشاعات، ليستدرك رئيس الجمهورية بعودة إلى الوراء للتذكير بالمواقف التي حفظها التاريخ لعدد من المحامين التونسيين قبل الاستقلال وإثره.
” المحامي ليس فوق القانون والهيئة الوطنية للمحامين لم تتردّد في كثير من الأحيان في إحالة عدد من المحامين على مجلس التأديب وتسليط العقوبات التي ارتأتها على كل من أخلّ بواجباته وبشرف المهنة”، هذا ما ورد في بلاغ الرئاسة في محاولة لاحتواء الأزمة من خلال التذكير مجددا بأن المحامين، خطّاؤون (ككل البشر).
وفي البلاغ ذاته تحدث عن المحامية سنية الدهماني والمحامي مهدي زقروبة دون أن يسميهما قائلا إن ما حصل خلال الأيام الأخيرة لا يتعلّق أبدا بسلك المحاماة بل بمن تجرّأ وحقّر وطنه في وسائل الإعلام بل ورذّله، في إشارة إلى سنية الدهماني.. وبمن اعتدى بالعنف على ضابط أمن، في إشارة إلى مهدي زقروبة.
في سياق متصل أضاف الرئيس “من يُحقّر وطنه ومن ارتكب جريمة الاعتداء على موظف حال مباشرته لوظيفه لا يُمكن أن يبقى خارج دائرة المساءلة والجزاء. فإذا كنا لا نقبل بأن يتم المس بوطننا ورموزه من الخارج فإننا لا نقبل بتحقير بلادنا من باب أحرى من الداخل.”
وذكّر رئيس الجمهورية بأن الدولة التونسية محمول عليها، كما ينصّ على ذلك الفصل 36 من الدستور، أن توفّر لكل سجين الحق في معاملة إنسانية تحفظ كرامته، وفي هذا رد على حديث المحامين عن تعذيب زميلهم الذي تم فعلا نقله إلى المستشفى!
وأشار رئيس الدولة إلى أن من يُرذّل وطنه في الداخل يجد من يحميه من دوائر رسمية وغير رسمية في الخارج، في اتهام ضمني بالعمالة للخارج، مضيفا ” يتم التركيز على شخص أو شخصين في حين أنه تمّ يوم أول أمس (الإثنين) بإذن من النيابة العمومية الاحتفاظ بمحام بتهمة المشاركة في وفاق إرهابي وتبييض للأموال فضلا عن العديد من التهم الأخرى. فلماذا لم يُثر حوله أي جدل؟”
سؤال رئيس الجمهورية ليس اعتباطيا بل فيه اتهام بالكيل بمكيالين في قضايا المحامين ودعم محامين على حساب محامين آخرين، إذ يقول “المحاماة سلك أشرف من أن ينتمي إليه من يُحقّر وطنه أو يعتدي بالعنف على ضابط أمن”.
وفي رد على تحصن المحامية سنية الدهماني بدار المحامي وحديث الهيئة ومنظوريها عن اقتحامها قال رئيس الجمهورية ” دار المحامي توجد فوق التراب التونسي ولا تخضع لنظام إقليمي حتى يتحصّن بها أحد ويُردّد بأنه تم اقتحامها، فما حصل تم في إطار احترام كامل للقانون التونسي الضامن للمساواة وللحقّ في محاكمة عادلة.”
في المقابل أكد مجلس الهيئة الوطنية للمحامين بتونس المنعقد بصورة طارئة بدار المحامي تعرض مقرات الهيئة بدار المحامي للمرة الثانية على التوالي يوم 13 ماي 2024 إلى اعتداءات و اقتحام وذلك بتولي فرقة أمنية من الولوج اليها دون اذن و دون احترام الاجراءات وإيقاف المهدي زقروبة المحامي بتونس باستعمال القوة المفرطة.
ولئن تحدث رئيس الجمهورية عن المعاملة الإنسانية، فإن هيئة المحامين تحدثت عن العكس إذ جاء في بيانها أنه بعد إحالة زقروبة أمس على أنظار حاكم التحقيق” اتضح حمله لآثار عنف مادي بأجزاء مختلفة بجسده عاينها قاضي التحقيق المتعهد ما يؤكد تعرضه للتعذيب أثناء فترة الإيقاف بمركز الاحتفاظ وهو ما استوجب طلب إقرار عرضه على الطبيب الشرعي”.
كما ورد في البيان أنه ” بعد أن تم قطع الاستنطاق لاتخاذ القرار تم اعلام لسان الدفاع بتعذر عرضه هذا اليوم لأسباب أمنية حسب ما قرره قاضي التحقيق ثم وعلى تدهور حالته الصحية و دخوله في غيبوبة تم اصدار بطاقة ايداع في حقه وانهاء الاستنطاق رغم فداحة الوضع الصحي الذي كان عليه ، ليتم إثر ذلك نقله للمستشفى حيث تحول معه عميد المحامين و لم يغادر إلا بعد الاطمئنان عليه و استقرار صحته و استفاقته من حالة الغيبوبة وإجراء الفحوصات اللازمة”.