هنا الجم، الشمس أطبقت جفونها والليل سرب خيوطه الحالكة لترتطم بالقصر الأثري وتعانق الضوء القادم من عمق التاريخ فتغدو خصلات منيرة تضفي على الأجواء مسحة شاعرية سحرية.
صبغت الشموع الأثير بألوانها النارية، واحمرّت خدود قصر الجم معلنة ميلاد لحظة جديدة تتوقف فيها عقارب الساعات عن الدوران ونتلاقى حدود الزمن على إيقاع الصرخة الأولى للحلم..
صرخة الحلم في الجم معمدة بنفحات سمفونية تستحضر ماضيا لا يخبو ألقه ولا يذوي، صرخة تحمل تحية من فيينا وتعيد صياغة قصص السرايا والحرملك في الشرق على نسق الحب الذي لا يعرف المستحيل.
وفيما يتبدى سحر فيينا في تفاصيل عرض افتتاح الدورة الـ36 من المهرجان الدولي للموسيقى السيمفونية بعرض مشترك للأركستر السمفوني لأوبرا تونس، بقيادة المايسترو النمساوي مانفريد موساور، تجول أنظارك بين تفاصيل قصر الجم حيث تحيد الحجارة عن صمتها.
وبأوبرا “اختطاف من السرايا” لموزارت أعلن عازفو الاوركسترا ميلاد عرض تماهى فيه الماضي والحاضر والشرق والغرب في توليفة يتراءى فيها الحب والاختلاف والتسامح والانفتاح.
وعلى إيقاع الحلم والحنين تتنقل الموسيقى السمفونية بين المدن والحكايات أعلن عازفو الاركسترا ميلاد عرض اشرأبت له أعين الجمهور الذي لا يخضع لقواعد التعداد لاستثنائيته وفرادته.
في حفل بدا فيه الفن عابرا للحدود حلّقت النوتات الكلاسيكية لتجسد قصصا من الشرق ومن الغرب، قصص شكلت الآلات الوترية للاوركسترا أولى ملامحها قبل أن تسترسل رحلة الخيال.
موسيقى موشحة بالرقي والنبل ورافقها صوت السوبرانو نسرين المهبولي وصوت التينور النمساوي هانس جورج بريز في وصلات فردية وثنائية أمتعت جمهور الجم وحلفت بهم على أجنحة مقطوعات موسيقية خالدة تتخذ هيئات مختلفة في بقية عروض المهرجان.
وانطلقت الدورة السادسة والثلاثون للمهرجان الدولي للموسيقى السمفونية الذي نجح في خلق جمهور استثنائي ينتظر برمجته كل سنة أمس 5 جويلية وتمتد إلى 12 أوت المقبل.
“ليالي الجم” عنوان هذه الدورة التي ستتوشح بالأنس على إيقاع الموسيقى السمفونية وعناق ضوء الشموع المحيطة بقصر الجم ونور القمر في مزيج يدعو الجمهور إلى الحلم..
عشرة عروض تنتظر الجمهور في فضاء ينتفي فيه الزمان والمكان وينصهر التاريخ بالفن، عروض تجمع عناصر موسيقية من تونس وخارجها في محاولة لإبراز التميز التونسي في هذا المجال.
وفي هذا السياق قال مدير المهرجان مبروك العيوني، إن البرمجة شملت عروضا للمرّة الأولى إلى جانب عروض ألفت ركح الجم وألفها واهتمت بالشراكات مع المعاهد العمومية للموسيقى والرقص في تونس وخارجها.
كما تحدث عن العروض المشتركة بين موسيقيين تونسيين وموسيقيين أجانب في محاولة لإبراز الموسيقية التونسية ومزيد إشعاعها.
ولم يخف العيوني وجود بعض الصعوبات المادية وهو ما أكده أيضا رئيس جمعية المهرجان الدولي للموسيقى السمفونية رمزي جنيح، مشيرا إلى عدم صرف المنحة من قبل وزارة السياحة الى حد الآن.
وقال جنيح إنه رغم الصعوبات المادية فإن هيئة المهرجان قررت المضي قدما للايفاء بالتزاماتها، داعيا إلى صرف المنحة ولم لا الترفيع فيها في خضم ارتفاع مصاريف المهرجان.
وتابع بالقول ” الميزانية محدودة مقارنة بالمصاريف ونحن نعول على التبادل الثقافي مع السفارات والمراكز الثقافية”.
وبعيدا عن الصعوبات المالية التي يتسبب فبها عدم صرف منحة الدعم في الوقت المناسب الأمر الذي يثقل كاهل هيئات التنظبم، فإن مهرجان الجم يقترح على جمهوره عروضا راقية كما عوده.
ويوم 5 جويلية سيكون الجمهور على موعد مع عرض أوركسترا أوبرا تونس السيمفونية بعنوان “تحية من فيينا” (موزار ، دفوراك ، أوفنباخ ، فاغنر ، شتراوس) ويوم 12 جويلية تصدح أصوات أكاديمية مسرح أوبرا تونس في حفل الأوتار (موزارت، بارتوك، جريج، براهمز).
ويوم 15 جويلية يرى عرض الموسيقى والدراما النور وهو تكريم لماريا كالاس وإنريكو كاروسو ، و يوم 19جويلية تتعانق الموسيقية بالمنستير وفويرون في ألحان الصداقة (موسيقى أفلام وموسيقى شرقية) ويوم 22جويلية سيجتمع الاوركستر السيمفوني الأوروبي وأوركسترا مقرين وعازفون منفردون تونسيون وأصوات غنائية لبن عروس في عرض بعنوان من كارمن إلى لالاند (بيزيت ، أوفنباخ، جونود، هورويتز، برنشتاين)
وسيشهد يوم 24 جويلية برنامجا مزدوجا ففي الجزء الأول سيصافح الجمهور خماسي فيلهارمونيك براغ (موزارت، ميلهود، فاركاس، جيليسبي) وفي الجزء الثاني تجارب انصهار ثقافي(براسينز ، أزنافور ، بياف ، والأغاني الشرقية) ويوم 27 جويلية تتشكل ملامح ليلة إيطالية، في حفلة غنائية (روسيني، فيردي، بيزيه، بوشيني، موتسارت).
ويوم 29 جويلية ينتظم عرض فيوجن باروك / نوبة الخضراء ويوم 5 أوت أوركسترا أوبرا فيينا بعنوان أمسية فيينا (شتراوس ، أوفنباخ ، ديليبس ، ستولتز) ويوم أوت 12 سيكون عرض أوركسترا باروك برشلونة.