تُظهر معطيات وزارة التربية حول توزيع مترشحي بكالوريا 2025 حسب الشعب أنّ أكثر من ثلث التلاميذ (32%) ينتمون إلى شعبة الاقتصاد والتصرف، أي ما يعادل 49229 مترشحًا من أصل 151808.
ويضع هذا الرقم شعبة الاقتصاد والتصرف في المرتبة الأولى بفارق كبير عن بقية الشعب، وهو ما يطرح تساؤلات جدية حول خيارات التلاميذ ونجاعة منظومة التوجيه المدرسي على ضوء سوق الشغل.
وفي المرتبة الثانية، تحل شعبة العلوم التجريبية بنسبة 20% (30496 مترشحًا)، تليها شعبة الآداب بـ18% (27079 مترشحًا)، ثم شعبة العلوم التقنية بـ14% (20455 مترشحًا).
أما شعبتا علوم الإعلامية والرياضيات فلم تستقطبا سوى 10% (14594) و5% (8231) على التوالي، فيما جاءت شعبة الرياضة في أسفل الترتيب بنسبة 1% فقط (1724 مترشحًا).
ويعكس هذا التوزيع غير المتكافئ بين الشعب خللا هيكليا في المنظومة التعليمية، خاصة على مستوى التوجيه فارتفاع نسبة المترشحين في شعبتي الاقتصاد والتصرف والآداب، مقابل تراجع نسب الرياضيات وعلوم الإعلامية، يشير إلى عزوف متزايد عن الشعب العلمية والتقنية الدقيقة.
كما تبدو بعض الاختيارات موجّهة بالأساس على قاعدة النتائج لا التخصص إذ يعتبر البعض شعبا بعينها أقل صعوبة من غيرها، مما يدفع التلاميذ إلى اختيارها لتحسين حظوظ النجاح، وليس بالضرورة بناءً على اهتماماتهم أو طموحاتهم المستقبلية.
ويظهر أن منظومة التوجيه المدرسي في تونس تعاني من إشكاليات متواصلة فاختيار الشعبة لا يتم غالبا في إطار مشروع شخصي واضح، بل استجابة لمعدّل تراكمي أو توصيات إدارية. وغياب مرافقة نفسية وتربوية فعالة يجعل التلميذ يختار ما هو متاح لا ما هو مناسب.
وما يزال التوجيه بعيدا عن استشراف التحولات الاقتصادية والاجتماعية فضعف الإقبال على شعبة علوم الإعلامية، يتناقض مع حاجة السوق إلى مختصين في البرمجيات والذكاء الاصطناعي، الأمر الذي يحيل إلى أن التلاميذ لا يرون في هذه الشعبة آفاق واضحة.
وهذه الأرقام تؤكد اليوم ضرورة تعديل التوجيه، وإعادة النظر في منطقه، إذ يجب أن يتحول من إجراء إداري آلي إلى مسار مرافقة طويلة الأمد، تبدأ منذ السنوات الإعدادية وتُبنى على اهتمامات التلميذ ومهاراته وكل ظروفه.