55
صحفي وكاتب إسرائيلي بارز، ولد عام 1953. مثّل حالة فريدة في الوسط الإعلامي الإسرائيلي، إذ كرّس حياته المهنية على مدى 3 عقود لتوثيق جرائم إسرائيل وفضح انتهاكها حقوق الإنسان الفلسطيني.
طالب بإنهاء الحرب التي شنها الاحتلال على قطاع غزة منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023، ودعا إلى محاكمة قادة إسرائيل على جرائم الحرب والإبادة الجماعية التي يمارسها الاحتلال بحق الفلسطينيين في القطاع.
يرفض تأسيس دولة يهودية على أساس ديني، ويرى أن إسرائيل دولة فصل عنصري، ويعتقد أن الحل الأمثل لإنهاء الصراع، هو قيام دولة ديمقراطية واحدة تجمع اليهود والفلسطينيين، وفق نظام عدالة اجتماعي وحقوق متساوية مكفولة لجميع المواطنين.
المولد والنشأة
ولد جدعون تسفي ليفي عام 1953 في مدينة تل أبيب، لعائلة يهودية تعود جذورها إلى أصول تشيكية، جداه لأبيه كانا من ضحايا الهولوكوست، ووصل والداه إلى فلسطين في ثلاثينيات القرن العشرين في إطار موجة الهجرة اليهودية المنظمة التي بدأتها المنظمات الصهيونية في تلك الآونة على عهد الانتداب البريطاني.
ومع أن والده تسفي كان حاصلا على شهادة الدكتوراه في القانون، فقد اضطر لكسب قوت يومه بالعمل في مخبز، وبيع الكعك لربات البيوت على دراجته، ثم أصبح فيما بعد، كاتبا..
تخرج جدعون من مدرسة “إيروني ألف” الثانوية في تل أبيب، وأصبح، وفقا لتصريحاته، إحدى نتائج الروايات الإسرائيلية التي تريد أن ترسخ أن “الإسرائيليين هم الضحايا”، وإحدى نتائج الآلية التعليمية والاجتماعية التي تعلم الطلاب دوما أن “الفلسطينيين ليسوا بشرا” وأنهم “ولدوا ليكونوا قتلة”..
ينتمي ليفي إلى تيار اليسار اليهودي، وقد أكد بنفسه أنه كان جزءا من اليسار الصهيوني، لكنه في الوقت نفسه أعلن عدم قدرته على التماهي أكثر مع الحكومات اليسارية، ويرى أن “فكرة كونك يهوديا وديمقراطيا، مزيج لا يمكن الإيمان به” لأنه محض تناقض، “فاليسار هو المؤسس الحقيقي للاحتلال”..
ويرى ليفي أن إسرائيل دولة فصل عنصري، ويعارض بناء المستوطنات، ويرفض تأسيس دولة يهودية على أساس ديني، ويؤكد أن قطار حل الدولتين قد فات أيضا، وأن الحل الأمثل لإنهاء الصراع عنده، هو قيام دولة ديمقراطية واحدة تجمع اليهود والفلسطينيين، وفق نظام عدالة اجتماعي وحقوق متساوية مكفولة لجميع المواطنين.
يدعو ليفي إلى القيام بكل ما هو ممكن لتعويض الفلسطينيين عن المأساة التي مروا بها عام 1948، ويناهض الصهيونية التي تؤيد الاحتلال وتدعي أن الشعب اليهودي هو شعب الله المختار.
المسار الصحفي
بدأ ليفي مسيرته الصحفية مراسلا ومحررا في إذاعة الجيش الإسرائيلي عام 1974، ثم تم تعيينه عام 1978 مساعدا ومتحدثا باسم شمعون بيريز، زعيم حزب العمل الإسرائيلي آنذاك. ويصف نفسه في تلك الحقبة، بأنه كان مغسول الدماغ، وكانت لديه وجهات نظر سائدة، وكان مقتنعا بصلاح إسرائيل وبأنها الأفضل.
وفي عام 1982 باشر ليفي العمل في صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية اليومية، وأصبح نائب رئيس التحرير عام 1983، ثم بدأ يكتب عمودا أسبوعيا تحت عنوان “منطقة الشفق” عام 1988، ووثق من خلاله الجرائم والانتهاكات التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني على يد الاحتلال الإسرائيلي في الضفة الغربية وكذلك في غزة، حتى نوفمبر/تشرين الثاني 2006، حين حظرت عليه الحكومة الدخول إلى القطاع.
وقد بدأ تحوله نحو ملاحظة الظلم الواقع على الفلسطينيين ورؤية جرائم الاحتلال حين اقترح عليه عضو الكنيست السابق ديفيد زوكر الانضمام إلى رحلة لرؤية أشجار الزيتون التي تم اقتلاعها من بستان امرأة فلسطينية مسنة في الضفة الغربية، ومنذ ذلك الحين، أخذ ليفي يتعرف تدريجيا على واقع الفلسطينيين ومعاناتهم، وأصبح مع الزمن يدرك أنه لا أحد يخبر المواطن الإسرائيلي بحقيقة المشهد، ووجد نفسه، كما يقول، “وحيدا تقريبا في تغطية الجانب الفلسطيني”.
وبات يسافر كل أسبوع إلى الأراضي المحتلة، ويكتب عن الصراعات اليومية، وينقل ما يحدث من أعمال القتل والتهجير وقطع الأشجار وتدمير المنازل، وقد أجرى مقابلات مع الأمهات الفلسطينيات الثكالى، اللواتي قتل الجنود الإسرائيليون أبناءهن، ونقل قصص قتل الأطفال، وحرق المزارع والسيارات والمنازل، والاستيلاء على المواشي ومصادرة الأراضي.
ويصر ليفي على الاستمرار في “النضال الإعلامي”، حتى أثناء معاناته مع مرض السرطان، الذي أصيب به عام 2018. وقد رفض عرض الانضمام إلى القائمة العربية المشتركة المعروفة باسم “التجمع” عام 2022، وأكد أنه صحفي و”سيظل صحفيا”.
وعندما بدأت صحيفة “هآرتس” بنشر طبعة باللغة الإنجليزية، زادت شعبيته عالميا، وحاز إعجاب الجمهور الدولي، لتسليطه الضوء على معاناة الشعب الفلسطيني تحت الاحتلال، وبدأ ملايين القراء خارج إسرائيل يتابعون مقالاته.
وليفي كذلك، عضو هيئة التحرير في صحيفة “هآرتس”، ويكتب الافتتاحيات السياسية فيها، ويشارك في نشاطات صحفية متنوعة، ويظهر بشكل دائم في البرامج التلفزيونية والمقابلات الصحفية والندوات التي تعقد في المراكز العلمية والجامعات..
ناقد للسياسات الإسرائيلية
مثّل ليفي حالة فريدة في الوسط الإعلامي الإسرائيلي، فقد دأب على السفر إلى الضفة الغربية أسبوعيا على مدى 3 عقود، حيث تشكلت آراؤه السياسية على مر السنين، وتميز بالجرأة في طرح موضوعاته ومناقشتها، وتغطية الأحداث بعين الواقع من الميدان، وأصبح من أقوى الأصوات الإسرائيلية الناقدة والمعارضة لسياسات الاحتلال، من بينها الاستيطان وعمليات السلام التي لا يراها عادلة، وحل الدولتين الذي يجرّد الأراضي الفلسطينية من السلاح، بينما تتمتع إسرائيل بكافة الحقوق.
وينتقد ليفي باستمرار تصرفات الجيش الإسرائيلي في الضفة الغربية وقطاع غزة، منها المهام والعمليات الخاصة، وانتهاكات حقوق الإنسان الفلسطيني، كما يفضح جرائم المستوطنين، ويهاجم قادة إسرائيل، وينتقد الإعلام الإسرائيلي، الذي يعمل على شيطنة الفلسطينيين ولا ينقل جرائم الاحتلال.
ومن جانب آخر، يدين الصواريخ التي تنطلق من غزة، ولكنه يحمل الحكومة الإسرائيلية المسؤولية الكبرى، لأن الأوضاع المتدهورة في القطاع جرّاء الاحتلال والحصار وأعمال العنف، هي التي ساقت الفلسطينيين، بحسب رأيه، للمواجهة.
وفي أعقاب معركة طوفان الأقصى، التي أطلقتها المقاومة الفلسطينية في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، عارض ليفي العدوان الإسرائيلي على غزة، وطالب بإنهاء الحرب ووقف المجازر والإبادة الجماعية بحق الفلسطينيين، وحمل الاحتلال الإسرائيلي مسؤولية الكارثة الإنسانية التي يعيشها قطاع غزة بفعل الحصار الذي يفرضه عليه، ودعا إلى محاكمة قادة إسرائيل على جرائم الحرب والانتهاكات في غزة.
الرجل المكروه والصحفي البطل
يعبر ليفي عن آرائه بجرأة، ولا يتردد في التصريح بما لا يلقى رواجا وشعبية داخل دولة الاحتلال، وكثيرا ما تثير مقالاته انتقادات شديدة من القراء وعامة الناس، حتى إنه يتهم بالخيانة ودعم الإرهاب، ووصف بأنه داعية يروج لحركة المقاومة الإسلامية (حماس)، لذلك يعتبره كثير من الإسرائيليين “الرجل المكروه”، وفي الوقت نفسه، يصفه بعضهم بـ”الصحفي البطل”.
وقد تعرض ليفي للقمع بسبب كشفه النقاب عن الانتهاكات الإسرائيلية في الضفة الغربية، وتغطيته للعمليات الإسرائيلية في غزة، وتجاهله بعض أفضل أصدقائه، وقوبل بالشتائم والإهانات، وتلقى تهديدات بالضرب والقتل، وواجه مطالب من وزراء الحكومة الإسرائيلية بمراقبته باعتباره “خطرا أمنيا” على البلاد، كما تعرض لإطلاق النار بشكل متكرر من القوات الإسرائيلية، الأمر الذي حمله على العمل من المنزل، للحفاظ على سلامته الشخصية..
المصدر: الجزيرة + مواقع إلكترونية