موجع ومخز مشهد الرجل المتقدم في الين وهو يتلقى صفعة على حين غرة من قبل أحد أعوان شركة نقل تونس بعد أن تحلق حوله أعوان آخرين.
مشهد مربك يزعزع داخلك وانت تحاول أن تستوعب مشاعر الرجل في تلك اللحظة المشحونة بالفوضى والهمجية، ومهما حاولت أن تتجاوزه لا تستطيع.
صورة الرجل الذي لم يطلب الكثير غير حقه في النقل، لن تغادرك لأنها تجاوزته لتعبر عن شرائح واسعة من مرتادي محطات النقل وعن حالة الغبن والقهر اليومية في ظل سوء هذه الخدمة.
النقل العمومي في تونس يحاكي في بعض تفاصيله الجحيم الذي نحاول تجاوز ألسنة لهبه مع محاولات الإصلاح والوعود التي تطفو على السطح بين الفينة والأخرى..
وتأتي حادثة محطة “الحبيب ثامر” لترش الوقود على نار الجحيم وتسائل الدولة والمسؤولين والمواطنة والحقوق والواجبات في دولة تعالت فيها الأصوات المنادية بالكرامة الوطنية ذات ثورة.
ولئن نزلت بلاغات شركة نقل تونس ووزارة النقل بردا وسلاما إذ لم تحاول حجب الشمس بإصبعها وأقرت بالحادثة وذنبت الأعوان الذين تم إيقافهم عن العمل في انتظار محاكمتهم على جرمهم.
ولا جريمة أنكر من انتهاك الكرامة والإذلال واستغلال سلطة ما لممارسة العنف على الآخر وهو ما ينسحب على الحادثة الأخيرة التي أثارت سخط كل من مر بالفيديو الذي وثقها.
ولولا الفيديو الذي وثق للحادثة لما تحولت إلى قضية رأي عام ولما تحركت الجهات المعنية في وقت وجيز بل من المحتمل أن تمر مرور الكرام أو يمكن أن تتخذ منحى آخر.
وعلى عكس بلاغات شركة نقل ووزارة النقل لا يمكن وصف بلاغ الجامعة العامة للنقل بغير المضحك المبكي إذ أنه يدعو إلى التعامل مع هذا الخطأ بروح المسؤولية والإنصاف.
بغض النظر عن كون ما أتاه الأعوان خطيئة وجريمة وليست مجرد خطأ، فإنه كان حري بهم أن يتحلوا هم بروح المسؤولية ويردوا مهماهم دون اجتهاد “وحشي” وأن ينصفوا رجلا تقاذفوه بينهم.
الجامعة العامة للنقل اعتبرت الحادثة مسيئة والتصرف غير مسؤول واعتذرت من المواطن وكافة التونسيين، وأعربت عن أملها في معالجة المسألة في إطار تربوي وإصلاحي أكثر منه عقابي.
هذا الجزء من البيان مثير للضحك بل إنه يبدو سورياليا خاصة إذا ما عكسنا الآية، ماذا لو حصل العكس واعتدى مواطن يعيش ضغطا يوميا (تبرير الجامعة) على أحد أعوان الشركة.
ولا بد من التأكيد والتشديد على أن الأمر هنا لا يتعلق بالتطبيع مع العنف المرفوض قطعا وفي كل الحالات، بل بافتراض نرسم معه المشهد من زاوية أخرى.
مع هذه الفرضية، سيطالب الأعوان برد اعتبارهم وتسليط عقوبات على المعتدين بل إنهم سيأخذون كل المواطنين بذنب المواطن المعتدي الذي لا يمثل غير نفسه وسيعلنون الإضراب.
وإن كان الأمر هنا مجرد صورة متخيلة فإن الواقع شهد حالات مماثلة وليس في الأمر مصادرة لحق الاحتجاج ولا تشجيع على الافلات من العقاب كل ما في الأمر أنها محاولة لإنعاش الذاكرة ودعوة للإنسجام.
وإن أكدت الجامعة أنها لا تبرر الخطأ إلا أنها سقطت في التبرير، وأما الظروف الصعبة لقطاع النقل فتنسحب على الأعوان وعلى المواطنين وأما ما ارتكبه الاعوان المعنيون فلا ينسحب إلا عليهم.
وأما الحديث عن تصفية الحسابات فلا محل له من الإعراب، إذ أن الأعوان أتوا فعلتهم على الملأ ولا مجال للتجني عليهم وسلوكهم المشين لن يطمس وجود أعوان آخرين يقومون بمهامهم على أكمل وجه ويحترمون المواطن ويبتسمون في وجهه رغم الظروف الصعبة.