“حوجن”، اسم الجن الذي سكن صفحات الرواية الأكثر مبيعا في السعودية قبل أن يتحول إلى عمل سينمائي افتتح الدورة الثالثة لمهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي التي تحمل شعار “قصتك بمهرجانك”.
هذه الرواية من تأليف ابراهيم عباس التقطها المخرج العراقي ياسر الياسري وصنع منها فيلما يقطع مع الصور النمطية للجن والتي ربما تعود إلى الأفكار المستبطنة من الأفلام العالمية وينظر إلى هذا الكائن من جانب آخر ويقدمه بطريقة مختلفة.
ومن بين الرهانات التي تواجه المخرج في تحويل الرواية إلى فيلم الحفاظ على خصائص وخصوصيات الشخصيات في ظل الشعبية التي يحظى بها النص الأصلي، وقد أفلح إلى حد ما في ذلك فالتفاصيل تنهل بسلامة من لدن الرواية.
والأمر لا يتعلق هنا باستنساخ أو سلخ للشخصيات دون بصمة واضحة من المخرج وإنما بالمحافظة على جوهره بطريقة تبدو لك مألوفة ولكنها تدعوك إلى الانغماس فيها أكثر فأكثر وتلبي خيالاتك في علاقة بهيأتها ومظهرها.
والفيلم الذي حافظ على نفس تسمية الرواية، في خطوة لا تخلو من استسمار نجاح الرواية للتربية للفيلم، يروي قصة جن شاب يحيا مع والدته وجدته في منزلة تحاكي المنفى بعد أن غادرهم والده دون رجعة ولم يعلم سبب ذلك إلا بتدفق السرد.
ولا تنكشف الجوانب الخفية في حياة الجن إلا مع استقرار عائلة من الإنس بيتهم بعد نأيهم بأنفسهم عن البشر لعقود من الزمن وفيما ترتيم ملامح تغيرات جذرية في شخصية “حوجن” يحاول وعائلته التأقلم مع السكان الجدد للمنزل، عائلة “عبد الرحيم”.
في لحظة فضول حارق يضرب “حوجن” (براء عالم) بغرض الحائط العادات القديمة ويتواصل مع “سوسن” (نور الخضراء) الوافدة الجديدة ويقع في حبها ورغم ما جلبه لهما هذا الحب من أوجاع في مراحل متقدمة إلا أنه كان فرصة ليخبر عالمه ويكتشف قدرات كامنة.
على حدود مدينة جدة تدور أحداث الفيلم في منزل مهجور استجارت به عائلة حوجن المتدينة والملتزمة بعدم التفاعل مع البشر من أعين المتربصين به، فهو من أم من نفرية وأب فيحي ، طائفتان مختلفتان من الجن يحد بينهما القرب من الإنس.
صراع داخلي يعيش على وقعه حوجن الذي تخفي عنه والدته تفاصيل اختفاء والده ولكنه يبلغ مناله حينما تخترق نظرات “سوسن” حياته وتتهافت الأحداث وتتبدى معها طوائف مختلفة من الجن سعى المخرج إلى رسم ملامح مميزة لكل منها بعيدة بعض الشيء عما يسكن مخيلتنا.
حالة الهدوء المشوب ببعض القلق، باتت اضطرابا وتوترا واضح المعالم في حياة العائلة التي سعت بكل ما أوتيت من حرص إلى الإبتعاد عن البشر خشية من لعنة ما ولكن ذلك لم يكن سوى بابا جديدا تشرع أمام حوجن الذي بات يعرف امتداد جذوره وحدود قدراته.
وفي مسارات حياته، كانت المرأة فاعلة في الأحداث والدته “زهراء” مرورا بحبيبته الانسية “سوسن وصولا إلى ابنة عمه وزوجته “جمارى”، الأمر الذي ينطوي على نظرة نسوية تسكن في تفاصيل الرواية وفي تفاصيل الفيلم.
مع بداية تشكل الرابط بين عوالم الإنس والجن ارتسمت الطريق المحظورة الملغومة بالمحاذير لتؤول في النهاية إلى انتصار الخير وعودة الأمور إلى طريقها السوي وعاد الإنس إلى منزلته والجن إلى منزلته بملامح نهاية مفتوحة.
ورغم أن بعض المشاهد قد تبدو مكررة أو ممططة إلا أن المؤثرات البصرية وكادرات التصوير والأزياء والموسيقى قد أضفت على الفيلم بعدا عجائب سحريا ومسحة من الفانتازيا التي تشدك المشاهد.
وبعيدا عن تقديم صورة مغايرة للجن فإن الفيلم تطرق أيضا إلى قضايا اقتصادية واجتماعية وثقافية من ذلك الصراع الدائم بين العلم والشعوذة من ناحية وبين الدين والشعوذة من ناحية أخرى.
وفيلم حوجن من بطولة نور الخضراء، وبراء عالم، ونايف الظفيري، والعنود سعود، ومنصور آش، ومجدي القاضي ومن تأليف كل من ياسر الياسري، وإبراهيم عباس، وسارة طيبة، وحسام الحلوة، وهو من إنتاج تنفيذي لماجد الأنصاري وسعد البطيلي وإنتاج ياسر الياسري عبر شركته للإنتاج “أكس برودكشنز”.