من بين ظلال طيور الفلامينغو التي ترقص فوق مياه سبخة السيجومي وأشباح البعوض، وبين الأزقة المثقلة بالحكايات وُلد مهرجان “السيجومي فن” في دورته الأولى من رحم التهميش والنسيان
هي بداية فصل ثقافي جديد، من قلب الأحياء الشعبية يتشكل فعل مقاومة في دورة تأسيسية لمهرجان تعود لبناته إلى سنة 2020، حيث اجتمع عدد من الخبراء في مجالات الثقافة، البيئة، والعمل الاجتماعي، تحت راية “جمعية المنصة الفنية للثقافة والفنون”.
عبر الورشات، وجلسات العمل، والبرامج الفنية، رسم كل المجتمعين على قاعدة المقاومة عبر الفن ملامح مشروع يؤمن بأن الفن يمكن أن يزهر حتى في التربة الأكثر هشاشة.
سيدي حسين، حي الزهور، حي الطيران، الملاسين، وابن سينا… ليست مجرد أسماء أحياء في الجغرافيا الحضرية لتونس، بل هي ذاكرة جماعية وفضاءات مقاومة يومية، اختارها القائمون على المهرجان لتكون نقطة الانطلاق ومصدر الإلهام.
وفي لحظة تتويج لهذا العمل القاعدي، جاء المهرجان ليعيد صياغة الحكايات المتناثرة في ثنايا هذه الأحياء ويمنح أبناءها وبناتها منابر للتعبير والإبداع والظهور بعيدا عن الكليشيهات والصور النمطية التي طالما سجنتهم.
المعلقة الرسمية للمهرجان تجسّد هذه الفلسفة البصرية والرمزية: غروب بنفسجي يحتضن أفق السبخة، وطيور فلامينغو تُحلّق بخفة فوق الماء، كأنها ترمز إلى الحلم وهو يرفرف فوق معاقل التهميش.
وفي هذه المعلقة إحالة إلى فضاء مادي للتكوين والعرض، ومنصة بديلة تتيح رواية القصص من زاوية أخرى تتقاطع فيها الثقافة بالبيئة وتتجلى فيه الجمالية على تخوم العدالة الجمالية والبيئية.
ويعد هذا المهرجان الذي يشكل مساحة يُعاد فيها تشكيل المعنى، وتُسترد فيها ملكية الفضاء العام، عبر الموسيقى، والمسرح، والفن التشكيلي، والحكايات التي كانت منسية.
في زمن تتكاثر فيه المهرجانات المنمّقة التي تدور في فلك الاستعراض، يخرج “السيجومي فن” من رحم الحاجة، ومن عمق التفاعل بين الفن والمجتمع
هو تظاهرة فنية وثقافية ، نعم، لكنه أيضا مقاومة جمالية ضد النسيان، وتذكير بأن الثقافة يمكن أن تكون أيضا انعكاسا للعدالة الاجتماعية.