في سهرة تواصلت إلى ما بعد الساعة الواحدة بعد منتصف الليل، تحول مسرح مهرجان الحمامات الدولي إلى فضاء تجمعت فيه تلوينات مختلفة من موسيقات العالم وتلاشت فيه كل الحدود والقيود.
موسيقى بلا حدود تعالت على الخشبة لأكثر من ثلاث ساعات مع مجموعتين موسيقيتين، الأولى يقودها عازف الباص سليم عبيدة والثانية يقودها عازف العود أمين المرايحي، وكلاهما موغل في الترحال بين الأنماط الموسيقية ومتقن لحرفة المزج بينها.
عرض مشترك تبدت فيه ملامح المشروع الموسيقي لسليم عبيدة الذي توجه بألبومين “فريكونس باص” و “آسيمتري” (إيقاعات غير متناسقة، وتفاصيل مشروع “نو- ماد سبيرتس” لأمين مرايحي الذي خلق سبلا أخرى لآلة العود.
“آسيمتري”..
في الجزء الأول من العرض سافر الجمهور مع سليم عبيدة ورفاقه على الركح آلى عوالم معمدة بموسيقى الجاز والريغي والروك عبر مقطوعات موسيقية من ألبومه الأخير “آسيمتري” (إيقاعات غير متناسقة) مع استحضار لألبومه الأول “فريكونس باص”.
و”آسيمتري” هو الألبوم الثاني لعازف الباص التونسي سليم عبيدة وفيه يسائل الإنسانية والحياة ويقدم تأويلا فنيا لعلاقة الفنان بالتكنولوجيا الحديثة والإعلام وهو تعبيرة عن هواجس ملحّن وعازف روى تجربته الوجودية عبر سردية موسيقية صبّ فيها كل الانفعالات التي ترافق الإنسان في رحلة الحياة التي تتخذ فيها الولادة والموت هيئات كثيرة.
هذه الرحلة اتخذت ملامح أخرى على ركح مهرجان الحمامات على إيقاع موسيقى أوجدها كل من سليم عبيدة على الباص “ليو مارسيي” على الباتري و”برونو موكبال” على الساكسفون و “لويس غاشي” على الترومبات وعلاء بن فقيرة على الكلافيي.
إيقاعات الحياة غير المتناسقة في غالبها بدت على الركح منسجمة متناغمة في هيئة ألحان تحاكي التساؤلات الوجودية التي عصفت بالإنسان وتحاول رسم ملامح جديدة للعالم بعيدا عن المسلمات والثوابت.
ومع استضافته لكل من عازف القانون نضال جوة وعازف الكلارينات إسكندر بن عبيد توشحت الموسيقى بمسحة سحرية تعانق فيها سحر الشرق بألق الغرب وبدأ فيها الركح جسرا بين عوالم مختلفة.
وفي العرض الذي تفاعل معه الجمهور رقصا وتصفيقا حضرت المغنية أماني الرياحي التي تلت نصا بعنوان “طريق” اقتباسا عن مقطوعة موسيقية لسليم عبيدة وصدحت حنجرتها وهي تساير موسيقى مشحونة بروايات مختلفة عن الحياة قبل تتسرب موسيقى “نو-ماد سبيريتس”.
“نو-ماد سبيريتس”..
في جزء ثان من عرض موسيقي عنوانه الاختلاف والتنوع اعتلى الفنان أمين مرايحي والمجموعة المرافقة له الخشبة ليقدموا نو-ماد سبيرتس مراوحة بين المعزوفات وبين أغان أدتها “لين أديب” التي حملت الغناء العربي إلى مساحات أخرى.
عازف الغيتار “أنجل ديميراف” وعازف الدرامز “أكسل لوسيي” وعازف الساكسفون “فالونتان كونو” وعازف العود أكوستيك والكتريك أمين المرايحي خلقوا موسيقى فريدة تراوح بين الموروث الموسيقي الشرقي والجاز والريغي وغيرها من الموسيقات التي تتكيف مع نغمات العود الشرقية دون أن تفقده هويته.
وعلى الخشبة خلق أمين مرايحي ورفاقه مساحة تتصاعد منها موسيقى ينصهر فيها الميتال والتأثيرات العربية، موسيقى تتبع خطى الرحل وتسبر أغوار الماضي وتلقي عينا على المستقبل وسط حاضر لا صوت يعلو فيه على صوت الألحان التي تحاكي الإنسان في رحلاته المختلفة.
من مساحة التخت الشرقي أخرج أمين المرايحي العود ليعانق أنماطا موسيقية مختلفة بل إنه أيضا ابتكر العود الكهربائي الحاضر في مشروعه الجديد ” نو- ماد سبيريتس”.
أصوات الغيتار والدرامز والساكسفون والعود أكوستيك والعود الكتريك ملأت أرجاء مسرح الحمامات وهي تحط الرحال في أماكن مختلفة والتحق بها إيقاع الدربوكة إذ ضرب نصر السبت الشبلي بيده عليها.
هي المرة الأولى التي يستضيف فيها أمين مرايحي نصر الدين الشبلي على الركح ليضفي لمسة مختلفة على العرض خاصة خلال استعادة أغنية “يا محبوبي” غناء عبد الوهاب الحناشي وتلحين الناصر صمود والتي أهداها لهما ولكل من تعلم منهم.