شيماء الصنهاجي- تواصل أيام قرطاج الموسيقية احتضان مشاهد إبداعية تعكس التنوع الموسيقي، حيث اجتمعت في إحدى أمسياتها ثلاثة عروض مختلفة في الهوية، لكنها مشتركة في السعي نحو تجديد الموسيقى التونسية و الانفتاح على أساليب معاصرة.
“سينوج” لأحمد بنجامي جاء بروح المزود التونسي في لقاء مع الموسيقى الإلكترونية، بينما قدمت وفاء الحرباوي مشروعها “لوكان” بمزيج من الحكايات و الغناء الآسر، أما هويدا الهادفي فقد قادت الجمهور في رحلة موسيقية خالصة مع “أنهار الروح”.
سينوج: المزود التونسي في رؤية معاصرة
افتتح أحمد بنجامي عرضه “سينوج” بكلمات مستوحاة من الموروث الشعبي التونسي “يقولو الي تعلم يمشي فالزْرَص حافي ما ينخاف عليه والي تربى على نوم لغوافي، صرَد الليل يشاويه”، كلمات حملت في طياتها روح التحدي و الانتماء، قبل أن تنطلق الإيقاعات القوية للمزود، ممزوجة بموسيقى إلكترونية حديثة و آلات غربية كالباتري و الغيتار، مما خلق أجواء حماسية جعلت الجمهور يتفاعل بقوة مع العرض.
الفريق، الذي يضم مجموعة من الشباب المغنين، تميز بأداء متناغم قادته أصوات بثينة النابولي، كرامة كريفي، محمد سعيد، هيثم الحذيري و بن سويدن، الذين أضفوا طابعا إحتفاليًا على الأمسية. من بين الأغاني التي قدّموها “اليل زاهي” و “على الجبين عصابة” و أغانٍ مستوحاة من الحضرة التونسية، حيث ساد الرقص و التخميرة التونسية.
وأكدّت الفنانة الشابة بثينة نابولي في تصريح لرياليتي اون لاين أن هذا المشروع في تطوّر مستمر وسننتظر منه المفاجآت في الأيام القادمة على اعتبار أنه عرض غير ثابت وقابل للتغير على أيقاع ثراء الموروث التونسي.
هذا وقد اختتم العرض بنفس القصيدة التي بدأ بها وسط تصفيق حار وزغاريد الجمهور، ليحقق “سينوج” نجاحا كبيرا جعله أول عرض يسجل نفاذ التذاكر في المهرجان.
لوكان: الغناء كحكاية و رحلة حسية
أما العرض الثاني فكان “لوكان” للفانة وفاء الحرباوي، التي قدّمت آداء يحمل بصمة شخصية واضحة، إذ استوحت مشروعها من قصص واقعية، ما جعل كلمات أغانيها تلامس الجمهور وتأخذه في رحلة تراوحت بين الألم والأمل.
رغم بداية العرض بتأخير دام ربع ساعة بسبب عطب تقني إلا أن الفنانة تعاملت مع الموقف باحترافية حيث بدأت بالغناء مباشرة مع الجمهور، مما خلق لحظة تواصل قوية.
وقد أتقنت الفنانة العزف على ثلاث آلات هي البندير، والطبل، والغيتار ورافقتها فرقة موسيقية تضمنت عازفين أجانب على البيانو و الغيتار.
أدّت وفاء أغنيتها”لوكان” التي حملت إسم العرض و المشروع، إلى جانب أعمال أخرى امتزجت فيها موسيقاها بحركات جسدها، فكانت تغني وتعزف و ترقص، مما زاد من التفاعل مع الجمهور.
و في لفتة تقديرية، قامت باهداء جميع الحاضرين نسخة من ألبومها “لوكان” على قرص مضغوط، في خطوة تعكس رغبتها في مشاركة موسيقاها مع الجميع.
أنهار الروح: العزف لغة عالمية
هو مشروع يقوم بالكامل على العزف دون كلمات مقدّما تجربة موسيقية صوفية تتجاوز الحدود اللغوية.
على المسرح إجتمع ستّة عازفين، حيث قادتهم هويدا الهادفي، فكانت الموسيقى بمثابة تيّار منساب، يأخذ الجمهور في رحلة روحية، تمزج بين الموسيقى التونسية والتأثيرات العالمية.
تميّز هذا العرض بأسلوبه التجريبي حيث استلهمت هويدا موسيقاها من أصوات الأنهار، محاولةً عبر مقطوعاتها الموسيقية أن تعبر عن الانسياب والتجديد المستمر.
من اللحظات اللافتة خلال العرض، ظهور عازفين يرتديان الكوفية الفلسطينية، في مشهد حمل رسالة تضامنية واضحة مع القضية الفلسطينية، ليصبح العزف وسيلة تعبير صامتة لكنها معبرة عنّ الحرية والهوية.
ثلاث عروض من الإبداع الموسيقي الحرّ
جاءت هذه العروض الثلاثة لتؤكد أن المشهد الموسيقي التونسي ينبض بالحياة والتجريب، حيث تلاقت أصوات المزود مع الموسيقى الإلكترونية، والقصص الغنائية مع الإيقاعات المتحررة، فيما ارتقت الألحان إلى بعد روحي خالص.
إقبال الجماهير الكبير على هذه العروض يعكس شغف الجمهور التونسي بالموسيقى الحيّة و رغبته في استكشاف مشاريع موسيقية جريئة تتجاوز الأشكال التقليدية، وتفتح الأفق أمام تعبير أكثر حريّة و تنوعًا.