وسط زخم الحكايات المتناثرة من هنا وهناك وسيل الأحاديث المنهمر بين الأفراد والسماعات وعبر وسائل الإعلام يركن عمر بكري إلى الصمت في فيلمه الروائي الطويل “عبده وسنية”.
“عبد وسنية” الذي عرض ضمن مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي في دورته الرابعة يخلق منطقة وسطى بين الزمن الحالي والماضي من خلال استحضار الأفلام الصامتة التي طبعت مرحلة مهمة من تاريخ السينما في العالم.
سيمفونية صامتة تتخذ من الأبيض والأسود وشاحا تحركه موسيقى تخلق مساحة رمزية يتماهى فيها الماضي بالحاضر ويقاطع فيها الشرق مع الغرب على امتداد قصة إنسانية لا يحدها الزمان ولا المكان.
ينتفي مفهوم الوقت في الفيلم وبتخذ الصمت أبعاد أخرى وتفيض العيون بالكلام وأنت تتبع خطى “عبده” (عمر بكري) و”سنية” (انجي الجمال) وهما يرنوان إلى تحقيق حلم راودهما لسنين.
بتقنيات فنية تنهل من سينما الماضي ومواضيع اجتماعية تنسحب على كل الأوقات يروي الفيلم قصة زوجين مصريين يتركون حيلتهما البسيطة في القرية ويؤمان نيويورك حيث تتواتر التعقيدات.
رحلة الزوجين نسجت من الدراما والكوميديا المواقف في مراوحة ظهرت معها التحديات التي تواجه المهاجرين بما فيها حواجز اللغة وتعقيدات الحياة اليومية.
وانت تتصفح وجوه الشخصيات في الفيلم وتجول بين القيم الضوئية يتكثف السرد دون حاجة إلى فيض من المنطوق فالحركات والإيماءات وحديث العيون كفيل بترجمة الحالات والوضعيات.
مع الانغماس في صمت الفيلم والانصهار مع خصوصياته الفنية قد تستغني عن تلك الجمل التي يوردها المخرج قبل بعض المشاهد لتكون بمثابة المفاتيح وقد تستفزك لأنها ستحد من منسوب التخيل.
الفيلم الصامت لن تتبدى فيه سقطات “عبده” و”سنية” في اللغة الإنجليزية ولكنك ستستمع إليها في أكثر موقف وهما يستكشفان الحياة الأمريكية دون سابق معرفة ولكنهما يمضبت في طريقهما تحركهما الرغبة في الإنجاب.
فالفيلم يطرح العلاقات الزوجية في بعض المجتمعات وما يرافقها من مشاكل وإشكاليات تنبع من أمراض مجتمعية تجور على المرأة في كل الحالات وتثقلها بالمسؤوليات لكونها إمرأة.
فإلى اليوم مازالت بعض المجتمعات الذكورية ترى المرأة مصنع للأطفال وإن لم يأتوا فهي قطعا المسؤولة عن ذلك دون مراعاة للمنطق والعلم في علاقة بمسألة الإنجاب التي تشمل المرأة والرجل على حد سواء.
ومن هذا المنطلق يسير الفيلم في رحلة من مصر إلى نيويورك و يتحدى “الكوشري” (أكلة شعبية مصرية)، البرغر (أكلة شعبية أمريكية) وتصارع البساطة التعقيدات وسط سرد بصري وصوتي تتعانق فيه الصور والموسيقى على حركات وخطوات الشخصيات.
معاناة الأقليات المهاجرة التي تضيع أصواتها وسط الاستغلال تنعكس في هذا الفيلم الذي يقترح سردا بصريا تتصادم فيه العوالم التقليدية بالعولمة والتكنولوجيا، تصادم ساري المفعول دائما.
على خطى إيجاد حل لمشكلة الإنجاب التي تؤرق حياة “عبده” و”سنية” تتواصل الرحلة وتتهافت الأحداث ويطل التشويق من بين ثنايا الصمت ليرسم نهاية تنتصر للعزيمة والإرادة.
غصبا عن كل التحديات والعراقيل ظلت أيادي الزوجين متشابكة وابتسمت لهما الحياة من زاوية أخرى فيما تعرت جملة من الحقائق على أعتاب نهاية الفيلم.
وفي هذا الفيلم قطع المخرج عمر بكري الصمت في مشهد ومع الأبيض والأسود في مشهد الآخر ليضعنا في مواجهة مع الأصوات والألوان دون إنذار وهي مراوغة ذكية تختبر نجاعة اختياره الفني.
الفيلم من تأليف وإخراج عمر بكري، وبطولة عمر بكري وإنجي الجمال، إلى جانب روجر هندريكس سيمون ومارلين فيلافان. يشارك في العمل مجموعة من الأسماء البارزة في مجالات التصوير والمونتاج والإنتاج الفني، مثل مدير التصوير فيسنتي روكساس، والمونتير صلاح أنور، والموسيقي أليكساندر أزاريا. الفيلم من إنتاج مشترك بين شركات فيلم كلينك (محمد حفظي)، وChaconia Pictures، وTimewormz.