في شارع الحبيب بورقيبة حيث تناثرت قصص وحكايات عن الحب والثورة، عن الغربة والاغتراب، عن الواقع والخيال، عن كل شيء ، تحلق جمهور أيام قرطاج المسرحية حول عرض “غربة” البولوني..
“غربة” عرض يشبهننا نحن الذين أرهقنا المجتمع الاستهلاكي، نحن الذين استنزفنا مشاعرنا في ثنايا جافة بلا روح، نحن الذين حضرنا كل محافل الزيف والكذب بلا اقنعة، نحن الذين مررنا بمؤتمرات النفاق بوجه واحد..
من العوالم الشعرية لتوماس أليوت ينسح العرض تفاصيله، يعني هواجسنا ومخاوفنا، يرش الملح على جراحنا المفتوحة، يقرأ ما بين سطور حيواتنا التي يريدونها قوالب سكر متجانسة متشابهة.
سيل من النقد ينهمر بسلاسة على أسفلت شارع الحبيب بورقيبة ويلتقط الجميع رسائل العرض وسط ملامسة ظواهر يعايشها الفرد اليوم حيثما كان ؛ التحرش، التنمر، المادية المقيتة، البراغماتية في ابشع وجوهها، الاستيلاب والاغتراب.
أقنعة وحقائب وأحذية وحرائد وربطت عنق وبعض الأشياء الأخرى البسيطة، متممات سينوغرافية تترجم رحلة الإنسان على البسيطة ورحلة الفرد في المجتمع دونما حديث، نحن المشاهدون كتبنا للمسرحية التي نطقت فيها الموسيقى والخطوات والحركات.
تلك الأقنعة الضخمة التي غطت وجوه الممثلين اختزلت كل المسافة بين السرية التي ولدنا عليها وبين كل تلك التراكمات التي تخدشنا غصبا عنا، كل ذلك الثقل تسرب إلينا، رجنا ولكن وطأته خفت في النهاية حينما سقطت الأقنعة…
لوحات استعراضية تواترت في قلب الشارع حكت قتالنا من أجل حياة تشبهنا، رسمت كل تلك الأيادي التي تمتد لتخنق أصواتنا، كل تلك العيون التي تغتال حرياتنا، لوحات تشكلت على غربتنا وغربتنا في عوالم لا تستوعب العاطفة…
الغربة جسدتها الأقنعة التي ارتداها الممثلون وبعض من الجمهور الذي صار جزءا من العرض دون إذان كما جسدت مشاعر أخرى تهاطلت على امتداد دقائق غير قابلة للعد لفرط امتلائها بالمعاني والرمزيات.
ملخص العرض "استعراض مستوحى من العوالم الشعرية لتوماس أليوت الذي يترجم مشاعر الخوف الإنساني في عالم استهلاكي تخلّى عن انسانيته. يجسّد العمل يوما من حياة شخص يعيش بالمدينة في القرن الواحد والعشرين حيث تقتصر حياة الأشخاص العاديين على العمل. حياة تتلخّص في المسافة التي يقطعونها بين البيت ومقرّ العمل... عالم بائس ومرعب وبشع تسيطر عليه النزعة الاستهلاكية، فصار أشبه بكائن غريب شبيه بالإنسان (ظاهريا) لكنّه مجرّد من العاطفة. يوجّه العمل النقد لانقياد المجتمعات المعاصرة وراء المادة التي حوّلت الإنسان إلى نُسخ متشابهة عديمة الشخصيّة والإحساس. "