أثار الإجراء الذي فرضته وزارة الشؤون الثقافية، مؤخرا، فيما يخص “ممارسة الاعوان العموميين لنشاط خاص بمقابل”، موجة من الاستياء في صفوف الفنانين التشكيلين مما دفعهم إلى إصدار عريضة تعبر عن احتجاجهم.
وينص هذا الإجراء على ضرورة استظهار كلّ فنّان بترخيص من مديره في العمل بالمؤّسسات العموميّة وخاصّة المعاهد والجامعات حتى يتسنّى له المشاركة في التّظاهرات الثقافيّة أو استخلاص مستحقاته من اقتناءات الدولة لأعمال الفنانين التشكيليين.
وطالب الفنانون التشكيليون الممضون على نص العريضة بمراجعة قرار وزارة الشؤون الثقافية وفق مبدأ علوية القانون، مقترحين الاستئناس بآراء الفنّانين وخبراء الفنون في تدبير الإجراءات الإداريّة ذات الصّلة بالفنون.
وفي ما يلي نص العريضة:
“نحن الفنانون التشكيليون التونسيون، الممضون اسفله، نعبّر عن صدمتنا وامتعاضنا على إثر المنشور الوارد من وزارة الشؤون الثقافية ، والمؤرخ بتاريخ صدوره 12 ديسمبر1983، تحت عدد 112، تحت موضوع “ممارسة الاعوان العموميين لنشاط خاص بمقابل”، حيث فرضت من خلاله وزارة الشؤون الثقافية، مؤخّرا، إجراء ينصّ على ضرورة استظهار كلّ فنّان بترخيص من مديره في العمل بالمؤّسسات العموميّة وخاصّة المعاهد والجامعات حتى يتسنّى له المشاركة في التّظاهرات الثقافيّة أو استخلاص مستحقاته من اقتناءات الدولة لأعمالنا الفنية…
اننا و بقدر استغرابنا من هذا الاجراء الذي يتنافى مع ماهيّة الفنّ ومفهوم الإبداع الفني وقيمه النّبيلة في خدمة المجتمع و تنزيله كــ “نشاط مهنيّ خاص” أو “مهنة خاصّة”، كما ورد في المنشور المذكور، والحال أنّ الفن مشاركة مواطنيّة و حضارية، تحضي في جميع الدول بالاحاطة والدعم والمكانة. فاننا، وفي ذات الوقت، نذكّر أنّ المعادل المادّي الذي يمكن أن يتقاضاه فنّان مقابل عمل فنّي، ليس أجرا قارّا بل هو حقّ تفرضه ثقافة حقوق المؤلّف التي تلتزم بها بلادنا منذ عقود من الزّمن ولا يرتقي هذا المقابل عادة إلى سدّ مصاريف الإنجاز، في غياب سوق للفن ذات وجود مؤثّر في الموازين الماليّة. فضلا عن أنّ النظام المتبع من قبل لجنة شراءات الأعمال الفنيّة التّابعة للدّولة واضح وصريح وهو ألاّ يحقّ للجنة أن تقتني أكثر من عمل واحد في السّنة للفنّان الواحد، مهما يشارك في التّظاهرات، وهذا في حالة زيارتها للمعرض المعني، أوّلا، وموافقتها على شراء عمل فنّي، ثانيا. وإذ نقدّر جهود الدّولة لمقاومة الفساد المالي وتضارب المصالح وندعمها، من جهة انخراطنا في الشّأن العام والذّود عن مصلحة الوطن، إلاّ أنّـنا نؤكد:
1- ان المنشور المذكور ، لم يتم تطبيقه منذ تاريخ صدوره سنة 1983 ، الا في حالات خاصة ولدوافع زجرية كانت غايتها اضفاء التعلة القانونية لمحاصرة المثقفين و المبدعين .
2- ان المنشور المذكور يتعارض كليا مع قانون لجنة اقتناءات الدولة للاعمال الفنية، والتي تضم في عضويتها ممثلين عن وزارة املاك الدولة و وزارة الثقافة، ذلك ان قانون اللجنة يحدد في فصوله عمليات اقتناء اعمال الفنانين، اما لغاية التشجيع و الدعم او لاثراء الرصيد الوطني من الاعمال الفنية و لفائدة المتحف الوطني للفن الحديث و المعاصر. كما ان قانون لجنة الاقتناءات لا يحدد الفنان، بصفته كأجير او كموظف، بل كمبدع و هي الصفة التي تتناغم مع اهداف و وظائف وزارة الشؤون الثقافية، و التي لا تحمل بدورها وظيفة ربحية او تجارية في تصريف المال العام، و عليه فان قانون الاقنتاءات، لا يحدد عملية الاقتناء و فق معايير التأجير المعمول بها … بالساعة او باليوم او بالاسبوع او بالشهر ..
3- ان الفنان التشكيلي التونسي يمنع من تسويق اعماله خارج حدود الوطن، باعتبارها تراث وطني يستوجب الحماية، وذلك وفق قانون مجلة التراث، ومن باب التناقض الجلي ان يحدد المنشور المذكور العمل الفني، كمنتوج خاضع لاليات التأجير .
4- نقترح الاستئناس بآراء الفنّانين وخبراء الفنون في تدبير الإجراءات الإداريّة ذات الصّلة بالفنون.
5- ندعو إلى الأخذ بعين الاعتبار أنّ الفنّانين الموظّفين، سواء بالمعاهد والجامعات أو غيرها من المؤسسات العمومية، هم أكثر من صنع أرصدة الثقافة الوطنيّة في الفنون ورفعوا الرّاية التونسيّة عاليا، وأنّ المطالبة بتراخيص في مناسبات متكرّرة سيكرّس البيروقراطيّة كما سيؤدّي في الأخير إلى تعطيل نشاطهم الإبداعي على حساب حاجة الثقافة الوطنيّة إليهم، التي ستتقلّص بتقلّص المبادرات الإبداعيّة.
6- نطالب بمراجعة قرار وزارة الشؤون الثقافية وفق مبدأ علوية القانون، واستقراء عواقب هذا الإجراء التي لا تخدم ما ننشده من حركيّة في الحياة الثقافيّة ومن ثمّة، التّخلّي نهائيّا عنه. إذ هو لا يراعي خصوصيّة القيم الإبداعيّة في النّظريّة والممارسة ولا ينطلق من واقع الفنون بالبلاد وما حقّقته من مكاسب ثقافيّة وذوقيّة وتربويّة تتّجه إلى صناعة الضّمير الثقافي المواكب للعصر والمساهم في بنائه المستقبلي. والسّـــــــــلام. انتهى./.
تونس في 22 جويلية 2024”