إعداد: تبر النعيمي
عاد النقاش بشأن تنقيح قوانين عطلة الأمومة في تونس من جديد مع عودة نشاط مجلس نواب الشعب، و يطالب ناشطون في المجتمع المدني خاصة بضرورة تمديد عطلة الأمومة حتى تتمكن الام من استرجاع صحتها النفسية و الجسدية ، و حتى يحظى الرضيع بالرعاية اللازمة .
و ينص الفصل 48 من القانون عدد 112 لسنة 1983 المتعلق بضبط القانون العام لأعوان الدولة و الجماعات العمومية المحلية و المؤسسات العمومية ذات الصبغة الإدارية على أنه ” تنتفع الموظفات بعد الإدلاء بشهادة طبية بعطلة ولادة مدتها شهران مع استحقاق كامل المرتب و يمكن الجمع بين هذه العطلة و عطلة الاستراحة . و في نهاية هذه العطلة يمكن أن تمنح الموظفات بطلب منهن عطلة أمومة لمدة لا تتجاوز أربعة أشهر مع استحقاق نصف المرتب و ذلك لتمكينهن من تربية أطفالهن و تمنح هذه العطل مباشرة من طرف رئيس الإدارة “.
كما ينص الفصل 47 من القانون عدد 78 المؤرخ في 5 أوت 1985 المتعلق بضبط النظام الاساسي لأعوان الدواوين و المؤسسات العمومية ذات الصبغة الصناعية و التجارية والشركات التي تملك الدولة أو الجماعات العمومية رأس مالها بصورة مباشرة و كليا على أنه “تنتفع المرأة العاملة بعد الإدلاء بشهادة طبية بعطلة ولادة مدتها شهران مع استحقاق كامل المرتب، و يمكن الجمع بين هذه العطلة وعطلة الاستراحة ” .
أما الفصل 45 من القانون عدد 46 المؤرخ في 15 ماي 1995 المنقح و المتمم بمقتضى القانون عدد 102 المؤرخ في 18 نوفمبر 1996 المتعلق بضبط النظام الاساسي لأعوان الديوانة فينص على أنه “يمكن لأعوان الديوانة من النساء الحصول على عطلة ولادة مدتها شهران بكامل المرتب بعد تقديم شهادة طبية في ذلك و يمكن الجمع بين هذه العطلة وعطلة الاستراحة ” .
و نص الفصل عدد 41 من القانون عدد 70 لسنة 1982 المتعلق بضبط النظام الاساسي لقوات الأمن الداخلي على أنه ” يمكن للنساء من أعوان قوات الامن الداخلي الحصول على عطلة ولادة مدتها شهرين بجملة المرتب بعد تقديم شهادة طبية في ذلك و يمكن الجمع بين هذه العطلة و إجازة الراحة العادية ” .
و في القطاع الخاص و وفق ما جاء في الفصل 64 من مجلة الشغل تتمتع المرأة العاملة بعطلة ولادة مدتها ثلاثون يوما و يمكن تمديدها كل مرة بما قدره 15 يوما إذا وقع تبرير ذلك بشهادة طبية، كما نصت الاتفاقية المشتركة الإطارية المؤرخة في غرة جوان 1973 على أن ” رخصة الولادة يقع ضبطها ضمن الاتفاقيات الجماعية الخاصة أو حسب التشاريع الجاري بها العمل ” .
القوانين التونسية بعيدة عن المعايير الدولية
و تؤكد أستاذة القانون العام إقبال بن موسى في الدراسة التي أعدتها حول “حماية الأمومة في تونس ” الصادرة في فيفري 2021 أن ” مدة عطلة الولادة التي يقرها التشريع التونسي سواء في القطاع العام أو الخاص أو الفلاحي هي أقل من طول مدة عطلة الولادة كما وردت في المعايير الدولية أي أربعة عشر أسبوعا على الأقل حسب اتفاقية منظمة العمل الدولية و هي كذلك مدة أقصر بكثير مما تنص عليه التوصية رقم 191 التي تحث الدول الأعضاء على منح النساء العاملات عطلة أمومة يبلغ طولها ثمانية عشر أسبوعا على الأقل “.
و تضيف إقبال بن موسى في دراستها أنه و حسب دراسة لمنظمة العمل الدولية حول حماية الامومة، تعتمد 53 بالمائة من الدول في العالم عطلة ولادة تبلغ مدتها 14 أسبوعا على الأقل أي أنها تطبق المعيار الوارد في الاتفاقية رقم 183. أما بالنسبة إلى 42 دولة من جملة 185 دولة شملتها الدراسة، فهي تمكن المرأة العاملة من عطلة أمومة تساوي أو تزيد مدتها عن 18 أسبوعا . وتقر 60 دولة لفائدة المرأة العاملة بالحق في عطلة أمومة تبلغ مدتها 12 أو 13 أسبوعا ، أما بالنسبة إلى 15 بالمائة فحسب من الدول أي 15 دولة و من ضمنها تونس، فتكرس الحق في عطلة ولادة تقل مدتها عن 12 أسبوعا .
و تقول سناء (إسم مستعار) و التي تعمل بمؤسسة عمومية ذات صبغة صناعية و تجارية و مرت بثلاث تجارب ولادة، إنها “تمتعت” في كل مرة بعطلة ولادة تبلغ شهرين مع خلاص أجر كامل و تراها مدة غير كافية إذ ” تحرم المولود من حقه في رعاية متكاملة فرغم ساعة الرضاعة اليومية التي أحظى بها فإنه و مع ضياع الوقت بسبب وسائل النقل و مع الوصول إلى المنزل مرهقة لا يمكنني أن أعتني بطفلي كما يجب ” تقول سناء التي تؤكد أنها عاشت تجربة قاسية مع مولودها الثاني فقد كان يعاني من حساسية ضد الحليب الصناعي مما يجبرها على أن تترك له حليبها قبل الذهاب إلى العمل و ظلت تعاني تعبا نفسيا و جسديا جراء ذلك مع حرمان الرضيع من تغذية كاملة .
العاملات : ” عطلة الولادة غير كافية”
و تطالب بضرورة التمديد في عطلة الأمومة حتى تتمكن الأم من استعادة عافيتها، و حتى يكبر الطفل و يكون جاهزا لتلقي الرعاية من شخص آخر غير أمه خاصة و أن الظروف لا تسمح للأم أحيانا بإضافة عطلة بنصف الأجر كما هي الحال بالنسبة إليها .
أما إيمان زروق التي كانت تعمل زمن ولادتها منذ تسعة أشهر في منظمة دولية غير ربحية (خبيرة في الاتصال) و التي ينطبق عليها القانون الخاص فـ”تمتعت” بعطلة أمومة مدتها شهران “خالصا الأجر” و لكن” الأجر لم يكن كاملا إذ تتقاسمه المنظمة و الصندوق الوطني للتأمين على المرض لكن و بسبب الإجراءات الإدارية المعقدة لم أتلق جزءا من الأجر ” تقول إيمان .
و تضيف أن عطلة بشهرين غير كافية لكنها تعتبر نفسها “محظوظة” إذ كانت تعمل بعد انقضائها عن بعد ما خول لها الاعتناء برضيعها خاصة على مستوى الرضاعة الطبيعية .
و تنتقد إيمان الضبابية على مستوى القوانين الخاصة لعطلة الأمومة ما يفتح باب الاجتهادات و هذا ما يؤدي إلى ضياع حقوق الأمهات العاملات ، داعية إلى ضرورة توحيد القانون و تطبيقه بالعدل على الجميع ، و إلى تنقيح القوانين الموجودة حتى “تعيش الأم أمومتها بسلام ” .
و تقول نعيمة الهمامي الأمينة العامة السابقة المكلفة بالعلاقات الدولية و العربية و الهجرة بالاتحاد العام التونسي للشغل، إن المطالبة بتمديد عطلة الأمومة تعود إلى تسعينات القرن الماضي صلب لجنة المرأة العامة بالاتحاد والتي طالبت حينها الدولة التونسية بالمصادقة على الاتفاقية الدولية عدد 183 لمنظمة العمل الدولية الخاصة بحماية الامومة باعتبارها تتضمن مكاسب مهمة من بينها عطلة الولادة و عطلة الأمومة و عطلة ما قبل الولادة و منح الأم و الرضيع . و تضيف ” و عملنا منذ بداية السنوات الالفين على تغيير القوانين التونسية و من بينها مجلة الشغل و القانون الأساسي للوظيفة العموميةفي اتجاه إرساء العدالة بين القطاع الخاص و القطاع العام و القطاع الفلاحي على مستوى التشريعات .و تواصلت حملات التحسيس حين صعدت إلى المكتب التنفيذي للمنظمة الشغيلة و تم بعث لجنة وطنية تضم جميع المتدخلين من وزارات و منظمات و نواب و خبراء للتنصيص أساسا على عطلة ما قبل الولادة و تمديد عطلة الولادة و التنصيص على عطلة الأمومة (للأب و للأم حسب الاختيار ) .. و أفضت أعمال اللجنة إلى صياغة مشروع قانون جديد و لكن لم يكتب له المصادقة في مجلس نواب الشعب “.
و اليوم عادت منظمات المجتمع المدني للدعوة إلى ضرورة تنقيح القوانين في اتجاه ترفيع مدة عطلة الولادة، و أبرزها منظمة “صحفيون من أجل حقوق الإنسان” ضمن مشروعها “عالم كندا: صوت النساء و الفتيات” الرامي لتعزيز حقوق المرأة . و تعمل هذه المنظمات على تنقيح القوانين في اتجاه رفع مدة عطلة الأمومة من شهرين إلى ثلاثة أشهر ضمانا لحق النساء في عمل لائق يحمي صحتهن الجسدية و النفسية و مراعاة لمصلحة الطفل في رعاية متوازنة .
و تقترح المنظمات الشريكة مشروع القانون عدد 93 لسنة 2020 المتعلق بتنقيح الفصل 48 من قانون عدد 112 لسنة 1983 المتعلق بضبط القانون العام لأعوان الدولة و الجماعات العمومية المحلية و المؤسسات العمومية ذات الصبغة الإدارية، و ذلك حتى ” تتمتع الموظفات بعد الإدلاء بشهادة طبية بعطلة ولادة مدتها أربعة أشهر مع استحقاق كامل المرتب و يمكن الجمع بين العطلة و عطلة الاستراحة ” .
الأمومة نقمة على المسار المهني
و هذا ما تسعى إليه جمعية “كلام ” وفق مديرتها التنفيذية فريال شرف الدين التي تؤكد على ضرورة تمتع النساء العاملات بحقهن في عطلة أمومة تضمن لهن عملا آمنا و لائقا و عادلا. و تنتقد فريال القوانين الجارية في تونس و التي يتحدث عن “عطلة ولادة ” و ليس “عطلة أمومة ” كما تعتبر بعض القوانين هذه العطلة “مرضية” و بالتالي فإنها تؤثر سلبا على مسار المرأة المهني. و تصف قريال هذه القوانين بمثابة “العنف الاقتصادي” و” العقاب” المسلط على العاملة التي اختارت أن تكون أما، مشددة على أن “تونس التي كانت سباقة في ضمان حقوق المرأة عليها أن تهتم أكثر بحقوق النساء العاملات اللاتي اخترن أن يكن أمهات للأجيال القادمة و تحفظ كرامتهن و صحتهن الجسدية و النفسية و مستقبلهن المهني ” .
و تخشى فريال من ان نسخ مشاريع قوانين حماية الأمومة الجديدة و التي قد تعرض على البرلمان لاحقا “أن تعتبر رعاية الطفل عند عند الولادة نشاطا نسويا بحتا و تغيب بالتالي دور الأب ، فيما أن رعاية الطفل هي مسؤولية الأبوين . ”
و تؤكد فريال على أن عطلة ولادة بشهرين أو ثلاثة أشهر غير كافية للأم و للرضيع واصفة الواقع التونسي بأنه يعاقب العاملة على أمومتها لأنها تفقد حقوقها في عمل لائق و في مسار مهني عادل بل إن الأم تحرم من حقها في العمل في حالات كثيرة.