هنا راس انجلة ببنزرت، فسحة عليا في البلاد التونسية حيث اختارت مؤسسة باب الخوخة لتنظيم التظاهرات أن تنظم عرضا لأوركسترا قرطاج السمفوني بقيادة المايسترو حافظ مقني بدعم من منظمة الفن والثقافة التابعة للاتحاد الدولي للبنوك.
في هذا الفضاء المارق عن الزمان والمكان، عانق سحر الطبيعة فخامة الموسيقى السبمفونية، وتهادت أمواج البحر على إيقاع مقطوعات سيمفونية خالدة وألحان طربية كلاسيكية بتوزيع أوركسترالي، جمالية التحم فيها الفن والطبيعة فصار للمكان روح لا تتوقف عن ترديد ترانيم الحياة.
في طريق ممتدة تحاوطها الأشجار من الجانبين تمضي وتتماهى يئا فشيئا مع روح الطبيعة ويعترضك منفذ إلى الأفق وإلى البحر على شاكلة بوابة كُتب أعلاها “باب الخوخة” تأخذك إلى الركح الذي توشحه عناصر الطبيعة من كل صوب وتزينه معلقة منظمة الفن والثقافة.
بقمصانهم بيضاء اللون التي أضفت على ألوان الطبيعة إشراقة تبوأ العازفون أماكنهم المرتبة مسبقا وعانقوا آلاتهم وقبل أن تطلق الكمنجات همساتها الساحرة كان لا بد من تقديم يضع العرض في سياقه.
ويأتي العرض السيمفوني في إطار حرص مؤسسة باب الخوخة التي تضم مجموعة من الأصدقاء الذين يعشقون الطبيعة على اكتشاف سحر رأس انجلة على إيقاع حدث فني وسعي منظمة الفن والثقافة على دعم الأنشطة الثقافية الهادفة والمختلفة.
ولم يفوت منظمو العرض الفرصة للحديث عن التراجيديا في كل من فلسطين ولبنان والإشارة إلى من يعيشون من ظلم وقسوة قبل أن تحاول الموسيقى إصلاح ما أفسده الواقع وحروبه.
وحينما أذن المايسترو حافظ مقني بانطلاق الرحلة في عمق الموسيقى الكلاسيكية لبى العازفون النداء واستدروا الألحان والإيقاعات من آلاتهم الموسيقية وعاضدتهم أصوات الكورال.
مقطوعات خالدة لباخ وفيردي وتشايكوفسكي وغيرهم تعالت نغماتها في أرجاء رأس انجلة حيث أضاءت الموسيقى عتمة الليل وملأت تجاويف المكان سحرا وسرت بالجمهور إلى عالم من النشوة.
وأما الجمهور فتلك قصة أخرى، فقد تنقل أغلبه من العاصمة تونس ليعيشوا تجربة مختلفة يتشبعون بالموسيقى والطبيعة وقد بدت عليه طيلة العرض أمائر الاستمتاع خاصة حينما يشاركون الكورال الغناء.
وللكلاسيكيات العربية نصيب من العرض حيث كان الجمهور على موعد متع توزيع أوركسترالي لـ”إحنا والقمر جيران”.. و”آخر أيام الصيفية”.. و”نكتب ع وراق الشجر”.. و”زهرة المدائن” التي استحضرت الوجع الفلسطيني وحمست الجمهور ليردد كلماتها.
وفي خاتمة العرض ملأت الشماريخ السماء على إيقاع “We are the champions ” لتعلن نهاية العرض السمفوني الذي استمد بعضا من جماليته من سحر رأس انجلة ووشحها بروحه الممتدة من الشرق إلى الغرب.