الداء البطني، الأبطن، والداء الزلاقي، والسيلياك وأحيانا مرض حساسية الڨلوتين، أسماء كثيرة لمرض مناعي ذاتي مكتسب يصيب الامعاء الدقيقة.
وهو من بين الأمراض المزمنة التي ترافق المصاب بها لسنوات، ويعاني المريض إثر الإصابة به من عدم قابلية هضم مادة “الغلوتين” الموجودة في القمح والمواد المستخرجة منه نتيجة الحساسية الحادة لها، حساسية تؤدّي إلى التهاب بطانة المعي الدقيق.
ولأن هذا المرض يتطلب نظاما غذائيا خاصا خاليا من الغلوتين، فإن المصابين به يعانون عدة صعوبات في اقتناء المواد الغذائية نظرا لغلائها من جهة وعدم توفرها بالشكل العادل من جهة أخرى.
25 الف مصاب تم تشخيصهم في تونس وقلة منهم يتبعون بانتظام الحمية الخالية من القلوتين بسبب صعوبتها وخاصة تكلفتها المرتفعة جدا وسط عدم استرجاع مصاريفها من الصندوق الوطني للتأمين على المرض “كنام”.
عدد الإصابات تطرقت له الجمعية التونسية لمرض الأبطن في ندوة صحفية بمناسبة إحياء اليوم العالمي لهذا المرض وأشارت إلى أن واحدا من أصل مائة مواطن مصاب مما يعني أن نسبة واسعة لم يتم تشخيصها.
الحمية المتبعة في مواجهة هذا التحسس الدائم من مادة الغلوتين يدمّر الأمعاء ويُنهك الجسد، صارمة ومكلفة، والخبز البديل هشّ وباهظ، والتلوّث العابر يهدد المرضى كل يوم.
مرض خفيّ، ومتغلغل، ومُنهك تحدثت عنه نائبة رئيس الجمعية التونسية لمرض الأبطن الدكتورة سيرين الخليفي، وفسرت أنه ” مناعي ذاتي، مزمن، غير معدٍ” يعزل صاحبه عن رغيف الخبز ويحبسه في سجن الممنوعات.
في عالم هذا المرض، يتحوّل الغلوتين (المكوّن البسيط في الفارينة والخبز والمعكرونة) إلى عدوٍّ خفي يهاجم الأمعاء الدقيقة، يسرق من الجسد قوّته، ومن الطفل نموّه، ومن الأم راحة بالها.
الإسهال، الانتفاخ، فقر الدم، الهزال، هشاشة العظام، ضعف النمو… كلّها أعراض قد تبدأ بلقمة خبز وتنتهي بسرير في المستشفى حيث تتراكم الأوجاع وتنسحب على الوضع الاقتصادي للعائلة.
“لا دواء للسيلياك، إلا الحمية الصارمة من دون غلوتين” وسط أهمية بالغة للتشخيص المبكر والتوعية، خاصة أن المرض يمكن أن يصيب الأطفال والكهول على حد سواء، لا سيما من لديهم استعداد وراثي أو أقارب من الدرجة الأولى مصابين، وفق حديث الخليفي.
إلى محفظة العائلة ومطبخها يتسرب مرض الأبطن، وإلى رفوف المغازات حيث تقف الأمهات يتفقدن مكونات العلبة الواحدة لزمن طويل، في محاولة لتجنّب لعنة الغلوتين.
“الفارينة المعوضة أغلى، أقل تماسكا، وأكثر عرضة للتفتت. والخبز بلا غلوتين، أحيانًا بلا طعم” اختزلت أمينة مال الجمعية التونسية لمرض الأبطن نور الهدى القابسي بعضا من معاناة السيلياكيين.
حمية قاسية لكنها ضرورية للبقاء على قيد الصحة.. على قيد الحياة، رغم ما يشوبها من خطر التلوث العابر… فمجرد تلامس مواد مسموحة مع الغلوتين قد يكلّف مريضًا أيامًا من الألم”.
الأعباء المالية، الأسعار التي تتجاوز أحيانًا كثيرة ضعف المنتجات العادية، ضرورة التأقلم مع نكهات جديدة لا تشبه الموروث الغذائي التونسي، كلها صعوبات لا يمكنها تجاوزها إلا بالتعليم والتدريب.
وفي هذا السياق أشارت القابسي إلى أهمية برنامج التعليم والتدريب الذي تؤمن به الجمعية التي أطلقت مخبزتين دون غلوتين في تونس وفي باجة وساهمت في بعث مشروع مشابه في سيدي بوزيد.
وهذا البرنامج ينسحب على عائلات المرضى والطهاة في المدارس والمطاعم لتجنب فخ الغلوتين لمرضى الأبطن، وعلى سبيل المثال كان الابطن دافع السلياكي أيمن الذعباتي لبعض مشروعه الخاص في صناعة الحلويات دون غلوتين وهو نفس دافع صاحبة المخبزة النوعية في سيدي بوزيد عائشة النصيبيالتي تتعايش مع مرض ابنتها.
بين المعطيات الطبية وقوائم الممنوعات، بين ألم الجسد وهمّ المصاريف، يعيش مرضى السيلياك في تونس على هوامش النظام الصحي، يقاومون عزلا وسط حرب نفسية وجسدية ومادية.
وفي سياق الدفع من أجل حقوق مرضى الأبطن، طالب رئيس الجمعية التونسية لمرض الأبطن الدكتور منجي حريز، بالاعتراف الرسمي بمرض الأبطن كمرض طويل الأمد.
وأشار حريز إلى أن هذا الاعتراف يفتح بابًا للاسترجاع المالي، وللدعم الاجتماعي، ولإعانة العائلات المعوزة التي تقف عاجزة أمام سعر رغيف بلا غلوتين.