من مكان تطالعك فيه جبال ورغة وصدين وقسار القلال وقرن الحلفاية، ترفرف الراية التونسية إذ رفعتها سواعد تشكيلة تابعة لفوج 14 مشاة ميكانيكية الذي يعود بعثه إلى سنة 1959 إثر عرض لمهمة عملياتية لمحاربة الإرهاب.
رمزية ميدان الرمي والمناورات ودربة التشكيلات كست العرض ببعد واقعي شحنه دوي القذائف ورائحة الذخيرة الحية وأصوات العسكريين الموشحة بالنصر وانهمرت معها الذكريات المرتبطة بالأحداث الإرهابية والشهداء الذين فدوا تونس بأرواحهم.
بعض من ملامح البطولات..
هذا التمرين عاشه الصحافيون حسّا وإحساسا وهم يكتشفون فوجا لا بوصلة له غير تونس الآمنة ورايتها الخفّاقة ضمن سلسلة الزيارات الميدانية التي تنظمها وزارة الدفاع الوطني لوسائل الإعلام الوطنية.
وإثره تحولت كل البلاغات المتعلقة بالعمليات العسكرية والمواجهات مع العناصر الإرهابية إلى مشاهد مرئية ومسموعة مرفوقة بكل المؤثرات التي لا يمكن أن تبلغها السينما لأنها من خلق أبطال حقيقيين جُبلوا على حب الوطن.
منذ تلقي المعلومة بوجود عناصر إرهابية والتأكد منها إلى رفع علم تونس احتفاء بالنصر، تتشكل بعض من ملامح بطولات الجيش الوطني في مواجهة الإرهابي وينتفي الزمان في حضرة حماة تونس وينبض القلب فخرا بهم.
محاكيا الواقع بحذافيره، يقحمك التمرين في قلب مواجهة العناصر الإرهابية حتى أنك قد تدعو في سرك بالنصر لتونس وجندها، تترقب بارتباك سير المدرعة وهي تمضي لتثبيت المجموعة الإرهابية المتحصنة ببيت مهجور فيما ينهال وابل الرمي من القناصة والرشاشات والأسلحة المضادة للتحصينات.
ومع تقدم منظومة التدخل نحو البيت المهجور مع مراعاة وسائل التخفي والحماية الممكن استغلالها، تتلبس المشاعر داخلك ويتماهى الواقع مع الافتراضي وتستحضر كل الملاحم التي خاضها الجيش الوطني في مواجهة الإرهاب.
مزيج من النشوة والفخر ينتابك والعدو المفترض محاصر ومثبت على إيقاع رمي متواصل يقطع عليه حتى محاولة التفكير في الفرار، تنسى أنه تمرين وتحاول عبثا أن تتمثل مشاعر العسكريين وهم تحت خط النار ولا يجيرك غير شعار فوج 14 مشاة ميكانيكية “حياة الكرام وموت العظام”.
فيما الشمس ترسل ألسنة لهبها لتعانق ألسنة البارود، تتقدم الانياب لتفتيش المكان والتثبت من وجود الألغام من عدمه، وترتسم مشاهد الالتحام المباشر مع العناصر الإرهابية في مكان تمركزها، الأمر الذي يتطلب تدريبا على مستوى عال.
الالتحام المباشر، يليه اقتحام البيت المهجور للقضاء على ما تبقى من عناصر العدو في مرحلة أخيرة قبل إعلان النصر، في محاكاة لكل تدخلات الفوج 14 مشاة ميكانيكية في العمليات العسكرية لمواجهة الإرهاب.
والمهمة العملياتية التي تماهى فيها الواقع مع المحاكاة، ليس فقط تمرينا يوميا ألفته التشكيلات العملياتية ضمن الفوج 14 مشاة ميكانيكية وإنما هو أيضا أحد أسباب استقرار الوضع الأمني في قطاع المسؤولية الذي يمتد على كامل ولاية الكاف التي تشمل 13 معتمدية ومعتمدية حيدرة من ولاية القصرين.
منطقة المسؤولية…
الوضع الأمني مستقر ولكن الحذر واليقظة مستمران مع التواصل مع مختلف الاطراف المتدخلة، بما يمكن من ضمان السيطرة على قطاع المسؤولية واحتواء كل التهديدات المحتملة، وفق حديث آمر فوج 14 مشاة ميكانيكية العميد محمد السبري.
وتمتد منطقة المسؤولية على قطاع شاسع يمسح حوالي 6.000 كلم بحدود برية طويلة تبلغ حوالي 140 كلم وجزء هام منه جبلي غابي كما أنه يضم عددا من النقاط الحساسة، تحده شمالا ولاية جندوبة، وجنوبا ولاية القصرين، وشرقا ولاية سليانة وغربا الحدود التونسية – الجزائرية.
كما يتميز القطاع بالمرتفعات (جبل الدير، جبال ورغة، قسار لقلال،صدين، وقرن الحلفاية ) ويبلغ معدل الارتفاع حوالي 700 متر، وتكسوه أشجار كثيفة تسهل عملية التخفي والتمركز أو تنقل العناصر الإرهابية بالنهار أو الليل ويعتبر وادي ملاق أهم وادي بالجهة.
ومن بين المهام العملياتية للفوج، وفق آمره العميد محمد السبري، تأمين سد ملاق العلوي الذي تحيط به جبال كانت مخابئ رئيسية لتمركز العناصر الإرهابية، ويتمثل هذا المشروع في إنشاء سد لتعويض انخفاض الطاقة التخزينية للسد القديم.
ومهمة الفوج تتمثل في تأمين منطقة أشغال سد ملاق العلوي ليلا نهارا على مدار الساعة وتنقلات العملة الصينيين، علما وأن أشغال هذا المشروع الوطني الاستراتيجي انطلقت في فيفري 2017 على أن تنتهي أشغالها في أفريل 2025 (تاريخ محتمل).
المهمات العملياتية..
وإلى جانب تأمين سد ملاق العلوي، تشمل المهام العملياتية للفوج الذي قدم للوطن 14 شهيدا، تأمين الحدود الغربية ومحاربة الإرهاب والجاهزية العملياتية للتدخل، مع العلم أنه ينفذ المهام ذات الطابع العام كالمساهمة في مهام حفظ النظام ونجدة المواطنين عند الكوارث (الفيضانات والزلازل والحوادث الخطيرة …)، وفي مقاومة الحرائق.
أما مهمة تأمين الحدود الغربية فتتمثل في تأمين الحدود البرية من خلال تحقيق التواجد الدائم، والاستعلام والجاهزية للتدخل لصد أي عدوان، وذلك عبر خلية قيادة ميدانية تشمل دوريات برية مشتركة و03 خلايا قيادة ميدانية مع تشكيلات تدخل فوري بالفوج والوحدات الترابية (القلعة الخصباء وتاجروين).
ولضمان المزيد من النجاعة والفاعلية لهذه المنظومة يتم عقد لقاءات تنسيقية دورية بين مختلف الأطراف المتدخلة، وتنفيذ تمارين تدخل في شكل عمليات بيضاء مشتركة مبرمجة وفجئية، تبادل المعلومات في المجال بصفة حينية.
ومن بين مشمولات هذه المنظومة التصدي للهجرة غير النظامية على اعتبار أن منطقة المسؤولية تمتد على الحدود الغربية التي تشهد محاولات اجتياز لعدد من الأفارقة جنوب الصحراء، وهو ما تعمل الدوريات المشتركة على منعه.
أما المهام العملياتية الموجهة لمحاربة الإرهاب فتتمثل في العمليات والمهام الاستباقية التي يتم تنفيذها في المجال بصفة متواصلة من ذلك التفطن لوجود عناصر إرهابية بالقطاع، ومنع العناصر الإرهابية من حرية المناورة والتمركز بالقطاع، والكشف عن مواقع تحصن العناصر الإرهابية، وتحطيم عدد من المخابئ والمخيمات، والقضاء او القبض على العناصر الإرهابية ان وجدت.
وبصفة دورية يتم توجيه تشكيلات عسكرية مشتركة لتفقد الكهوف والمغاور والبنايات المهجورة (1027 موقعا) بكامل قطاع المسؤولية، مع العلم أن الفوج 14 مشاة ميكانيكية يضم قوة جاهزة للتدخل لتنفيذ مهام عملياتية او التدخل لمهام ذات طابع عام.
والفوج 14 لمشاة ميكانيكية انتقل منذ سنة 1971 من حصن القصبة إلى ثكنة تحمل اسم “يوغرطة” أحد أشهر قادة حروب نوميديا ضد روما في القرن الثاني قبل الميلاد، التي كانت جهة الكاف من بين أحد أهم مسارحها، ثكنة كانت شاهدة على عديد التطورات التي شهدها الفوج وإنجازاته وفداؤه للوطن.
في رحاب ثكنة يوغرطة..
على مشارف ثكنة يوغرطة تنبهر بمساحتها الشاسعة وحينما تدخلها تشدك جمالية المنشأة والاهتمام بالتفاصيل في كل ما يتعلق بالبنية الأساسية التي تعد أحد أهم عناصر ظروف العمل والعيش بالنسبة للأفراد.
وجمالية المنشأة تعكس ما يمثله العنصر البشري من أولوية والسعي الدؤوب لتوفير أفضل الظروف للعمل بالوحدات والمحافظة على معنويات مرتفعة وتأمين التدريب البدني والعملياتي كما تعكس قدرة العسكريين على الاستثمار في أقل الإمكانيات.
“نخدم أنفسنا بأنفسنا” هذه الجملة التي قالها آمر الفوج 14 مشاة ميكانيكية العميد محمد السبري وهو يتحدث عن إحداث قاعة للرياضة من العدم تقريبا، تختزل فلسفة هذا الفوج الذي ينحت الصخر من أجل تونس وأبنائها وبناتها.
وفي ثكنة يوغرطة، حيثما وليت وجهك يطالعك علم تونس خفّاقا مرفرفا على إيقاع حركية العسكريين الذين جعلوا منها منشأة مختلفة، زينوا تفاصيلها وغرسوا فيها شجر الزيتون ومازالوا يستنطقون جماليتها.
كما يهتم بها الأفراد تهتم بهم، ففي ثنايا الثكنة مساحات خضراء تسر الأنظار ومصلحة صحية داخلية تحتوي على كل المطلوب لعلاج المرضى من عناية مركزة وقاعة عزل وصيدلية بالإضافة إلى سيارات إسعاف وقاعة رياضة يتدربون فيها ويجددون طاقتهم لمواصلة التكوين والتعليم في المجال العسكري نظريا وتطبيقيا.
وفي محاكاة لعملية التفتيش التي يخضع لها الأفراد والسيارات عند دخول الثكنة، ظهرت دقة التفتيش في عرض تم فيه الاستعانة بناب خاص بالكشف عن المتفجرات وذلك بعد الاشتباه في أحد الأفراد، وبعد ثبوت الأمر وعدم امتثال المشتبه به لعملية الإيقاف تمت الاستعانة بناب هجوم وتم تحييده والقبض عليه.
وعلى إيقاع خفقان الراية الوطنية شهدت الساحة الموشحة بالخضرة عرضا لتفصيل التدخل العملياتي عن قرب إذ تماهت حركات العسكريين في تناسق وسلام قبل أن تتجلى حركات الدفاع الذاتي واستعمال العصي والتعامل مع عنصر معاد يحمل سلاحا أبيض.
الغرض شمل أيضا تعامل عنصر تأمين منطقة حساسة مع عنصر معاد يحاول الاقتراب منه والإغارة عليه، بشكل مرن دون استعمال سلاح قبل أن تتماهى المجموعة من جديد في حركة جماعية لرفع العلم وأصواتهم تصدح “تونس تعيش تعيش”.
وفيما يتردد صدى “تونس تعيش تعيش” في أرجاء الثكنة، تطالعك سرية القتال بمختلف التشكيلات المقاتلة والأسلحة الفردية والجماعية والمعدات الدارجة المستعملة بالفوج ومناظير الرؤية الليلية وأجهزة التوجه ووسائل الإشارة والاتصالات وغيرها من المعدات والتجهيزات.