على أعتاب القاعدة البحرية الرئيسية ببنزرت تتبدل النسمات على إيقاع همس البحر الذي يعلو كلما دنوت منه ولا تقطعه إلا سيمفونية محرك “سيفاكس” خافرة أعالي البحار وهي تستعد لمغادرة الميناء وعلى متنها طاقمها وعدد من الصحفيين ممثلي وسائل الإعلام الوطنية.
يعلو صوت المحرك أكثر فأكثر وتخوض الخافرة عباب البحر، بين اليمّ والسماء تختال وتتهادى ويبدو طاقمها كخلية نحل، لكل منهم مهمة محددة يقوم بها في لحظة معينة في مشهد أشبه بالتطريز الذي لا يستوي إن انفلتت منه غرزة.
في رحاب “سيفاكس” يمكن أن تتوه حقيقة لا مجازا إن لم تكن مرفوقا بأحد من طاقمها الذي يخبرها ويعرف كل ثناياها وتفاصيلها ما ظهر منها وما بطن، على سطحها تشعر بأنك حي وحر وقد تمضي وقتا خارج دائرة الحساب وأنت تتمعن في الراية الوطنية التي ترفرف أعلاها.
ليست المرة الأولى التي تنظم فيها وزارة الدفاع زيارة ميدانية للصحفيين تتخللها خرجة بحرية، ولكن الأمر يبدو مختلفا على متن “سيفاكس” المفعمة بالحكايات على قدر رحابتها، حكايات زيّنتها الحالة الجوية، إذ غشيت الغيوم السماء حتى بدت كل الأحداث على متنها كمشاهد سينمائية.
في رحاب سيفاكس..
ولمن لا يعرف “سيفاكس” هي وحدة بحرية ذات مهام متعددة تتبع مجمع خافرات أعالي البحار ، وهي من الجيل الجديد من مهامها حماية المصالح البحرية الوطنية والدفاع عنها، بالإضافة إلى التدخل السريع والتصدي للأعمال غير المشروعة والبحث والإغاثة والإنقاذ وجر المراكب المعطلة.
هذه الخافرة التي تبدو لمن يشاهدها من بعيد بمثابة اللغز أو المتاهة تحتوي على معدات متطورة وهي تعمل للصالح العسكري كما تعمل للصالح العام، وفق حديث آمرها الذي أشار إلى أنها فضاء لتكوين التلامذة الضباط وضباط الصف في جيش البحر في إطار حياتهم المهنية.
ومن بين المرافق الموجودة في الخافرة مدرج لهبوط الطائرات العمومية التي يتم الاستنجاد بها لإجراء المنكوبين في عرض البحر إلى جانب مصحة متطورة، شهدت إسعافات متقدمة لطاقم من الخافرة في إطار تمرين يحاكي إصابة خلال حريق بمحل المولد الاحتياطي.
“نار نار” يعلو صوت بالصراخ ليعلن عن الحريق وتدوي صفارات الإنذار ويتصاعد دخان يخترق البلعوم ويحدث به حرقة تجعل من السيناريو أقرب إلى الحقيقة، وفيما يتسرب الدخان ليفشي الحريق أكثر فأكثر تتعالى دعوة لغلق الأبواب والمداخل.
في لمح البصر يغص سطح الخافرة بالتعزيز ويتقدم فريق التدخل نحو مكان الحريق حيث يتبين وجود مصاب يستدعي طلب فريق الإسعاف ليحل مسعف على عين المكان ويقدم الإسعافات الأولية قبل نقله إلى المصحة لمزيد من العناية.
في الأثناء يبدأ تدخل رجال الإطفاء الذين يظهرون بأزياء مختلفة ليواصلوا المهمة التي انطلق فيها فريق التدخل وتتم السيطرة على الحريق، دون أن يترك المشاركون في السيناريو هامشا للخطأ وهو ما يعكس جاهزيتهم التي يكتسبونها من التدريبات اليومية.
عين على الفوج “51” لطلائع البحرية..
ومن خافرة أعالي البحار “سيفاكس” اشرأبت العيون إلى الفوج “51” لطلائع البحرية في محاكاة لتمرين يومي يتمثل في تفتيش سفينة غير متعاونة وفق تقنيات مختلفة وعلى أكثر من مرحلة.
وقبل الخوض في مراحل التمرين لا بد من التطرق إلى الفوج “51” وهو فوج عملياتي قتالي تابع لجيش البحر من مهامه التدخل لفائدة المنشآت الحساسة على طول السواحل التونسية والتدخل في العمليات الخاصة في الجزر.
ومن مهامه أيضا المساهمة في مكافحة الإرهاب ضمن قوات مشتركة واقتحام وتفتيش السفن غير المتعاونة، وفق ما أفاد به آمر الفوج الذي فسر بكل دقة وبساطة تفاصيل تدخل الفوج في عرض البحر.
في هذه الحالة تسمى “سيفاكس” السفينة الأم التي تتلقى الاتصال من قاعة العمليات الأولى بالشمال للإبلاغ عن الاشتباه في ضلوع السفينة في أعمال غير مشروعة ( تهريب، مخدرات، اتجار بالبشر) بعد تحديد سرعتها والإحداثيات المتبعة.
بعد تلقي الخافرة للمعلومات يتم توجيه تشكيلة طلائع بحرية بتفتيش السفينة خاصة بعد عدم استجابة السفينة للاتصال الرادوي بما يعني أنها غير متعاونة، وهذه التشكيلة لها من المهارات ما يمكنها من القيام بالمهام بكل أمان تبعا لإجراءات التدريب العملياتي الموحد للطلائع البحرية.
هذه المحاكاة للتمارين اليومية للطلائع البحرية تأتي في خضم طقس غائم وبحر هائج ورياح قوية، لكن العوالم الخارجية حتى الطارئة منها، لا تعيق الفوج “51 ” عن أداء مهامه وهو الذي يخوض تمارين يومية تحسبا لأي طارئ وتعزيزا لجاهزيته.
في الأجواء الرمادية بفعل الطقس ومن بين الأمواج التي بدأت تحتد، يلوح زورقا تدخل سريع يخصان وحدة العمليات، يحومان حول السفينة المشتبه فيها لتحديد نوعها ورصد رد فعل طاقمها فيما تسندهما جوالة تعزل السفينة.
ومن بين أدق المراحل في عملية الاقتحام الصعود إلى السفينة الذي يعقبه التفتيش الدقيق بمشاركة الناب لتحديد المادة المشبوهة.
أثناء عملية الاقتحام يتعرض عنصر إلى إصابة ويتلقى الإسعافات الأولية من قبل مقاتل مسعف قبل أن يتم إجلاؤه على متن الجوالة، فيما يتم التواصل مع قاعة العمليات وتأكيد تورط السفينة في أعمال غير مشروعة ومن ثم توجيهها لاقرب ميناء عسكري، وفق حديث آمر الفوج.
وليس هذا التمرين الذي يحاكي عمليات حقيقة نفذها الفوج “51” لطلائع البحرية سوى فسحة للتعرف عن قرب على المعدات الخصوصية لهذه الوحدة العملياتية القتالية التي تمكنه من العمل في آناء الليل وأطراف النهار في كل الظروف للتصدي للمخاطر في البحر والمتأتية من البحر.