“إلى اللقاء في القدس الشريف” عبارة تطالعك وانت تهم بالولوج إلى مركز التراث الفلسطيني بتونس وتشرع أبواب خيالك على سيناريوهات كثيرة تثير فيك الأمل والابتسامة رغم وجع الواقع.
وفيما تغرق في التفكر والتأمل تشدك أصوات مختلطة تتسم بالنعومة، تتبعها فتعترضك وجوه بريئة لفت على رقابها الكوفيات الفلسطينية واشرأبت بأعناقها حيث صورة شهيدة الكلمة الصحفية شيرين أبو عاقلة.
الصورة تحيلك مباشرة إلى القاعة التي تحمل اسم الشهيدة، قاعة تعبق منها رائحة التراث الفلسطيني، تتوه فيها أنظارك بين الاثواب المطرزة بشغف وحب وإتقان، أثواب لكل منها خصوصيتها وجماليتها.
الخليل، وغزة، وبئر السبع، ورام الله، والبيرة، وبيت لحم، وبيت دجن، مناطق فلسطينية حضرت في المكان من خلال التطريز الذي يملأ الأثواب جمالا وحياة ويروي حكايات كثيرة عن هذا الفن الذي يحيل إلى الهوية الفلسطينية ويعد أحد عناصر الصمود في كل محاولات التزييف.
وسط هذه القاعة تحلق تلاميذ معهد “لوي باستور” التابع لمؤسسة بو عبدلي حول الفلسطيني القادم من غزة منذ أشهر ، ابراهيم خضر، يروي لهم بكل صدق وخشوع حكايات عن المقاومة في غزة وعن الصمود وعن استواء الحياة بالموت على أعتاب استرجاع الحق المغتصب.
ومن أجل تقريب صورة المقاومة المستمرة في فلسطين على مدى عقود أكثر لتلاميذها، اتخذت الأستاذة فاطمة الزهراء بوكراع هذه الخطوة بالتنسيق مع رئيسة مركز التراث الفلسطيني نوال قطب حيث اقتفى الأطفال أثر قصص المقاومة.
بعد جولة في المركز وسيل من الأسئلة عن فلسطين وعن الأثواب وعن التراث عموما حاولت صفاء المرواني الإجابة عنها، تحلق التلاميذ وأستاذتهم والممثلة عن جمعية “أولياء” نادية علوش حول الفلسطيني ابراهيم خضر الذي لم ينظم كلماتهم بقلم على ورقة وإنما خطها بحبر القلب وتلاها بكل وجع..
دون مغالاة أو تصنع وتكلف، تناثرت الكلمات من شفتيه صادقة عفوية ترافقها أحيانا رجفة وارتعاشة في الصوت ودمعات تتحول بسرعة الصاروخ إلى ابتسامة محملة بالوجع، وجع الاحتلال الغاصب الغاشم.
عن الأطفال الفلسطينيين وعن أحلامهم وعن القضية التي يتوارثونها جيلا وراء جيل، وعن قصص الصمود والنضال اليومي، عن الكوفية، وشارة النصر، وعن ألوان العلم الفلسطيني وعن النشيد الوطني تحدث ابراهيم خضر.
وفي أرجاء مركز التراث الفلسطيني ترددت كلمات النشيد الفلسطيني “فدائي فدائي فدائي.. يا أرضي يا أرض الجدود// فدائي فدائي فدائي.. يا شعبي يا شعب الخلـــود// بعزمي وناري وبركان ثاري.. وأشواق دمي لأرضي وداري// صعدت الجبال وخضت النضال.. قهرت المحال حطمت القيود”.
لهذه الكلمات التي تلخص عقودا من المقاومة وقف الحضور خشوعا قبل ان يسترسل الحكي وتتراكم الدموع في الأعين، دموع فخر وقهر ورثاء ودعاء للمقاومين الذين يرابطون من أجل استعادة الحق.