من رحم “إفريقيا” الغنية بتنوع ثقافتها، ثرائها، وعراقة تاريخها، ومن أحزانها وأوجاعها، وُلد عرض “مايد إن أفريكا” لزياد الزواري، هذا العرض الذي سرد لنا على خشبة مسرح الحمامات الدولي يوم أمس في دورته الـ58 قصصاً وروايات إنسانية ألقت الضوء على مختلف القضايا بلغة مختلفة عن السائد، اللغة الموسيقية ..
وعلى غرار عروض “مايد إن أفريكا” السابقة التي اقتصرت في انطلاقتها على ثلة من العازفين على آلة الكمان بقيادة زياد الزواري سنة 2020، تم إثراء الفرقة بعديد العازفين و براقص من الغابون كضيف شرف، “إيس داب تايغر” ، الذي أضاف بُعداً يعكس التراث الثقافي الواسع للقارة الإفريقية التي تُعد تونس جزءاً لا يتجزأ منها.

ضيف الشرف الراقص من الغابون “ايس اب تايغر”
شارك في العرض العديد من العازفين الشبان، الذين يعتبرون جميعاً مشاريع فنانين كبار وفق تعبير زياد الزواري، من بينهم نادر برقي على الجيتار، سفيان السعداوي على جيتار الباص، عبد السلام الشعري على الطبول، بالإضافة إلى راضي الشوالي، وديع بلغيث، آدم كلعية، وطارق الزواري على آلة الكمان. كما أبدع نصر الدين شبلي وحمدي الجاموسي على الآلات الإيقاعية. وتألق في الغناء وجيه البجاوي، ميسون الفطناسي، وأميمة بن عمار.

زيادة الزواري رفقة ال12 عازفا
اثنا عشر عازفاً وراقصاً بقيادة زياد الزواري انطلقوا في رسم رحلتنا بين ثنايا الموسيقى الإفريقية بمختلف ألوانها. شدت الرحال بsolo لزياد الزواري ثم تم المرور إلى مقطع “مايد إن أفريكا” الذي لقب العرض والمشروع الفني باسمه الذي تم العمل عليه على مدى أربع سنوات، ملخصاً رحلة عمل دؤوب من البحث والكتابة الموسيقية الإبداعية.
كان لمقطوعة “ORION” وقع مختلف، حيث تجسد النجمة التي تدل سالكي الصحراء على طريق الشمال.، علت فيها أصوات الكمنجة التي تجلت كسؤال وجواب، واستمع الجمهور إلى حوارات عديدة بين الطبول أيضاً معبرة عن افريقيا، القارة السمراء الغنية بالثروات، والمتنوعة بطبيعتها الخلابة من الصحاري، الجبال، التلال، والألوان الباهرة، لكن في مفارقة عجيبة إفريقيا هي القارة المنهوبة التي فقدت ثرواتها وأبناءها الذين ماتوا في سبيل الهجرة، أملاً في الوصول إلى بلدان الشمال والظفر بالنجمة المطلة في السماء، لتحقيق حلم “حياة أفضل”.
من طريق الشمال والنجمة، غير العرض مسارنا نحو مرحلة مظلمة في تاريخ البشرية، سنة 2020، حين انتشر وباء كوفيد-19 وأدى إلى فقدان ملايين البشر حول العالم. كانت مقطوعة “أمين” بمثابة تخليد لذكرى وأرواح من فقدناهم.. بنسق بطيء ولحن يزعزع خبايا الذاكرة، بتلك الصرخات التي تعالت في حوار مع صوت الكمنجة، خلدت ذكرى كل من فقدناهم.
ميسون، الفتاة التي لم تسعفها الإمكانيات لشراء دراجة هوائية وهي بعمر صغير، حملت من أحشاء الطبيعة ما رأت أنه يمكن أن يساعدها على خلق “الدراجة” بنفسها. ميسون فطناسي التي عبرت خلال الندوة الصحفية التي تلت العرض لريالتي أون لاين أنها لطالما حلمت بشراء الدراجة. قد رنت كلماتها وتعالت الأصوات مرددة تلك الكلمات التي كتبتها أناملها في مقطوعة “بسكلتي”.
كل هذه القصص والروايات والأحداث كانت عبارة عن رحلة موسيقية في “مايد إن أفريكا”، إفريقيا التي بها آلاف القصص التي ربما لم تسعفنا الفرصة في بعض الأحيان لسردها. “مايد إن أفريكا” لم يقتصر على البحث في الموروث الشعبي والعودة إلى طبوع لم يتم استعمالها منذ سنوات وأنماط موسيقية مختلفة ، التوزيع ، الابتكار والابداع الموسيقي، بل هو مشروع متعدد الأبعاد والأوجه، يجسد الروح الإفريقية بكل تعقيداتها وجمالها.
ومن الجدير بالذكر أن “مايد إن أفريكا” سيشهد انطلاقته من خلال إصدار ألبومه الأول على مختلف المنصات الموسيقية مثل “Spotify” خلال سبتمبر القادم.
بهذا العرض، استطاع زياد الزواري وفريقه أن يجسدوا روح إفريقيا بأفراحها وأتراحها، مبرزين عمقها الثقافي وثرائها الحضاري من خلال أداء فني مبتكر يأسر القلوب ويدعو للتأمل.
مريم حكيمي