خلال الندوة الصحفية التي تلت عرضه ضمن برمجة الدورة السابعة والخمسين من مهرجان الحمامات الدولي لم يخف مغني الراب عبد الكريم بوزيان”كازو” رغبته في الغناء على ركح مهرجان قرطاج الدولي.
وفي انتظار تفاصيل الدورة القادمة من المهرجان، تحقق بعض من رغبة “كازو” ليغني في المسرح الأثري بقرطاج في سهرة مشتركة مع مغني الراب عمر الطويهري “جنجون” بتنظيم من النقابة التونسية للمهن الموسيقية والمهن المجاورة، وهي ليست المرة الأولى التي يعتلي فيها هذا الركح ولكن مروره هذه المرة كان أكثر نضجا.
قبل ساعة من صعوده على الركح لم ينفك الجمهور الذي ملأ المدارج والكراسي يردد اسمه بحماسة لتدوي الهتافات حينما تعالت كلمات “انت بعيدة” في الأرجاء ليهجر محبوه مقاعدهم ويشاركوه الغناء.
اختيارات موسيقية غير نمطية وكتابة صادقة تتجلى في أعمال “كازو” التي لم يحد فيها عن النهج الذي سطره لنفسه منذ البداية، نهح ينهل من تجاربه الشخصية ومن القصص التي يعايشها وينسج منها حكايات أغانيه التي قد تلتقي تفاصيلها مع حياة المستمع إليها.
أغان تخاطب العاطفة والعقل وتراود الحواس، تهب معها نسمات الحنين وتترقرق العبرات في العيون وتظل عبرة طريقها فتصير ابتسامة وتتهافت ذكريات الطفولة وتنهمر كل الخيبات ويبقى لهيب الأمل مستعرا يرتطم بقسوة الواقع ولكنه لا ينطفئ.
عن المنعرجات التي توشح الواقع، عن المفاجآت غير السارة، عن الصداقة والحب والخذلان والخيبات والأمل الذي يقتات من اليأس غنى “كازو” وتسربت كلماته بين جمهور من أعمار مختلفة يخفظ أغانيه عن ظهر قلب.
وطيلة الحفل تواترت مشاهد لا تسقط من ثقوب الذاكرة على غرار دعوة شقيقه “نادر” على الركح وهو يغني أغنية “تعبوني” التي تختزل علاقة كل فرد يقاوم من أجل البقاء، من أجل حياة أفضل، فيما والدتهما في مكان غير بعيد عنهما ترسم البسمات في عينيها قبل شفتيها.
“كازو” دعا إلى الركح أيضا أخته “تستس” التي شاركته أغنية قديمة نسبيا لكنها مازالت تؤثر في كل من يستمع إليها وتخاطب العاطفة وتستدر الدموع أحيانا لكونها تستحضر أبا غادر قبل الأوان وحلت بعده متاعب كثيرة واجهتها العائلة بالمحبة.
“العائلة هي البدء والمنتهى” استنتاج يقفز من بين تفاصيل العرض الذي انهمرت فيه دموع والدة “كازو” وابنها يغني “بوزيان” الأغنية التي تحمل اسم عائلته وتروي سيرته الذاتية منذ رحيل والده إلى انفضاض الأقارب من حوله.
على نسق الكتابة الاعترافية التي يتبناها “كازو” مضى عرضه في قرطاج بأغاني “من غير سبب” و”يما” و”كبرنا” و”نتفكر كنا صغار” و”خليني” جينيريك مسلسل “فلوجة” الذي شاركته فيه الغناء الفنانة رنا زروق.
إحساس “كازو” العميق تماهى على ركح قرطاج مع إحساس رنا زروق صاحبة الصوت الناعم ذي الخامة الرقيقة التي تلامس شغاف القلب ليشكلا ثنائيا يلفت الانتباه في تناغمه وقدرته على التنقل بسلاسة بين تقسيمة الأغنية التي توائم طاقة كل منهما.
*صورة لرفيق بودربالة