من رحم إدارة التعليم العالي العسكري والعلمي ولدت قصص كثيرة مدادها الشغف والتحدي والفلاح، قصص أطفال حملوا أحلامهم الصغيرة بين ضلوعهم ودثروها بقلوبهم النابضة حياة حتى صارت حقيقة نبتت لها أجنحة عانقت السماء وزعانف حضنت الأمواج وأنامل ضربت في عمق الأرض.
أطفال آوت عقولهم الصغيرة أفكارا عن المستقبل ورووها بأنفاسهم اللاهثة وراء طلب العلم فتزايدت وتعاظمت معها الطموحات مرحلة دراسية بعد مرحلة وصولا إلى مرحلة الباكالوريا حيث آلوا على أنفسهم أن يتركوا أثرا وبصمة في وطنهم.
هؤلاء أبناء تونس الذين يباهون بها وتباهي بهم، هؤلاء الذين راكموا تجارب عظيمة لفتت إليهم الأنظار على صغر سنهم لأنهم تشبثوا بأحلامهم الصغيرة وأضاؤوا طريقها بتلك الشعلة التي مازالت تتقد فيها إلى اليوم وشدت إليها عددا من الصحفيين الحاضرين في القاعدة العسكرية بالعوينة في إطار الزيارات التي تنظمها وزارة الدفاع الوطني للتعريف بأنشطة الجيش الوطني.
الملازم أول محمد أمين امزوغي ممثلا عن أركان جيش البر والملازم أول أحمد بن جاء بالله ممثلا عن أركان جيش البحر والملازم أول يمنى دلائلي ممثلة عن أركان جيش الطيران، ثلاثتهم صنعوا مسارات مهنية ملهمة بفضل شغفهم الذي لا ينضب وإصرارهم الذي لا يتلاشى وإرادتهم التي تقهر كل الصعاب.
الملازمون الأوَل الثلاثة مؤمنون بأنفسهم وبوطنهم الذي يحملونه بين ضلوعهم حيثما مضوا ليدوي اسم تونس عاليا وهم يبنون نجاحهم لبنة تلو اللبنة بفضل التكوين الذي تلقوه في إدارة التعليم العالي العسكري والبحث العلمي وبفضل حرصهم على المضي قدما في التعلم.
في حديثهم تستشف فخرهم واعتزازهم بمؤسستهم التعليمية وباختياراتهم ويتناهى إليك نكراهم لذواتهم وهم يتحدثون عن الإشادة بتونس والتكوين فيها وتشع أعينهم التي مازالت تؤوي في دواخلها الكثير من الأحلام التي يحولونها إلى أهداف يحققونها ويمضون إلى أهداف أخرى.
ثلاثتهم يحملون في وجوههم الكثير من البراءة والصفاء المقترنين بصغر السن وألق الطموح وترتعش أصواتهم كلما غادر لفظ “تونس” قلوبهم في مداخلاتهم التي قدموها ليرووا بعضا من مسيراتهم ومساراتهم التي تلتقي عند إعلاء راية الوطن.
بأزيائهم التي تشير إلى الجيوش التي ينتمون إليها وقفوا بكل شموخ وأنفة ليقصوا حكايات نجاح قد تكون مشكاة لشبان ضاقت بهم السبل أمام نزعات الهجرة ومحاولات تدجين التعليم والتكوين في تونس وطمس خلق الكفاءات وسط محاولات الشد إلى الوراء.
الملازم أول بجيش البر محمد أمين مزوغي يقف بكل هيبة ووقار ويقول بصوت واثق إنه اختار مساره عن رغبة وقناعة وأن كل ما يفعله هو تجسيد لحياته التي تصورها منذ الصغر.
بفرح الطفل الصغير بهدية العيد تحدث عن السنوات الخمس التي قضاها في الأكاديمية العسكرية وعن تخصصه في الهندسة المدنية ومن ثم هندسة السلاح.
هذا الشاب الذي يتقد طموحا خريج دورة محمد علي توجاني الذي تخاله يبتسم وهو يتحدث عن تخصصه في التعامل مع الذخائر التقليدية والأسلحة المبتكرة والألغام الإنسانية.
نبوغ هذا المهندس العسكري خول له تربصا في ألمانيا جعل الألمان أنفسهم يشيدون بالتكوين التونسي وهو ما لفظه بكلمات ألمانية ترشح اعتزازا وفخرا خاصة وأنه تحصل على المرتبة الأولى من بين عديد الجنسيات الأخرى المشاركة.
في ألمانيا اكتسب عديد المعارف وتعرف على ثقافات جديدة، الأمر الذي يشاركه فيه الملازم أول أحمد بن جاء بالله وهو مهندس قيادة سفن وأنظمة بحرية متخرج من البحرية الإيطالية، ولج عوالم الجيش من بوابة الأكاديمية البحرية بعد حصوله على بكالوريا رياضيات سنة 2017.
مستندا إلى شغفه بالبحر منذ الصغر لم يتوان لحظة لتحقيق حلمه في تجربة يقول إنها مختلفة وأنه لا يمكن الحديث عنها بقدر عيشها بتفاصيلها بما في ذلك الصعوبات والتحديات المتعلقة بالمرور من مدني إلى عسكري والتي تمكن من تخطيها.
وبقدر اعتزازه بتكوينه التونسي لم يخف الدور الذي لعبته البحرية الإيطالية في صقل شخصيته وتنمية خصاله والتقليص من مثالبه على المستوى المهني ليعود إلى تونس بمكاسب مهنية محترمة، وفق قوله.
ورغم كونها الطيارة الحربية الأولى في أركان جيش الطيران منذ بعثت مدرسة الطيران تتحدث الملازم أول يمنى دلائلي بتواضع ممزوج بفخر بتجربتها التي راكمتها بعزيمة وإصرار متحدية قصر المدة الزمنية مما جعل كل العيون تشرئب إليها.
في اللمحة التي قدمتها عن مسيرتها الدراسية لم تتجاوز حلم الطفولة في أن تصبح طيارا وجعلت منه هدفا حققته عن طريق دراستها في مدرسة الطيران ببرج العامري بعد تفوقها في بكالوريا علوم تقنية.
بعد عامين تحضيريين حظيت بالانتقاء المسبق للطيارين وصارت مهندسة طيران وراكمت التجربة تلو التجربة لتحصل على شهادة قيادة طائرات عسكرية هليكوبتر وحربية وسافرت إلى الأردن حيث حققت 240 ساعة طيران قبل أن تعود إلى تونس وتلتحق بالوحدة الجوية 15.
الإجابة تونس سواء في ألمانيا أو إيطاليا أو المملكة الأردنية الهاشمية حيث خاض الملازمون الأوَل الثلاثة تجارب صقلت شخصياتهم أكثر فأكثر وبرهنت مجددا على أن تونس خزّان كفاءات.