“عصفور جنة” الفيلم الروائي الطويل الأول للمخرج مراد بن الشيخ، وهو انغماس في تركيبة الشخصية التونسية التي تجمع في أغلبها المتناقضات من خلال مغامرة تونسية إيطالية تتطرق إلى الهجرة غير النظامية وزواج التونسية المسلمة من غير المسلم.
بأسلوب يوشحه الطابع الكوميدي يطرح الفيلم المسألتين من زوايا سوسيولوجية وبسيكولوجية واقتصادية وثقافية ويوغل في تشريح المجتمع التونسي الذي تطغى فيه العادات والتقاليد على القوانين على إيقاع قصة “امديوس” الرجل الإيطالي المتيم ب”بيتي” الشابة التونسية.
بين إيطاليا وتونس تتشكل ملامح القصة التي اقتبسها مراد بالشيخ عن رواية ” La marmite d’Ayoub” لمحمد رضا بن حمودة، اقتباسا حرا، تهاوت معه أدران الشخصيات المركبة التي تتأرجح بين الأنا والآخر وبين رغباتها و”المسلّمات”.
هذه الشخصيات أداها كل من نیکولا نوشیلا وأمل مناعي ويحي فايدي ورياض حمدي وسليم الذيب وأديب حمدي ومنيرة الزكراوي ومراد غرسلي وجمال مداني وإشراق مطر وشاكرة رماح وفاطمة الفالحي، وصلاح مصدق، ويونس الفارحي، وعبد الحميد بوشناق وعبد الكريم البناني ورياض حمدي وغيرهم.
وللحديث عن اختيار الممثلين وعن الأسلوب الإخراجي والعودة إلى السينما التقت رياليتي أون لاين المخرج مراد بن الشيخ إثر العرض ما قبل الأول لفيلم عصفور جنة في مسرح سينما الريو وكان معه الحوار التالي :
بفيلم “عصفور جنة” يسجل المخرج مراد بن الشيخ عودته إلى السينما بعد أعمال تلفزية.. هل هي مغادرة منطقة الرفاهية أم رجوع إليها؟
اولا لنتفق أن رجوعي للسينما ليس خروجا من منطقة الرفاهية بل عودة إليها، التلفزيون ليس منطقة الرفاهية الخاصة بي بل السينما التي عدتُ إليها وعلى عاتقي كل التجربة التلفزية التي كنت أتعامل معها برؤية سينيماتوغرافية.
ومقارنة بالتلفزيون السينما تتيح لي إمكانية الإبحار أكثر في الشخصيات التي يمكن أن تزعج، والتلفزيون بجمهوره العريض جدا يعيق أحيانا تمرير بعض الإشكاليات التي تستوعبها السينما، والعقد بين المتفرج والنص مختلف في كليهما والسينما تفتح أجنحتك ونحن الآن نتحدث عن “عصفور جنة”.
عنوان الفيلم يحيل إلى الحرية وإلى الجنة في مفهومها الديني والدنوي وما بينهما من قيود وحدود.. إشكاليات وجودية اخترت معالجتها بأسلوب كوميدي ؟
نحن نطمح للجنة الفردية والجماعية، والإشكال اليوم في تونس ان الجنة أصبحت وراء البحار وهذا وجع الشخصيات التونسية في هذا الفيلم..
والنظرة الكوميدية للشخصيات هذه تجعلنا نكتشف حرقتهم ونحن نبتسم بمرارة.. نحن لا نضحك عليهم بل نضحك معهم لأنهم هم أنفسهم يسخرون من أنفسهم ومن وضعهم.
في الواقع، أنا لا أريد أن أضحك فئة على فئة أخرى بل أن نرى الوجع في الضحك والمرارة ونيقن أن فرحة الحياة لا تتلاشى أبدا.
الفيلم يطرح مفارقة بين القوانين والعادات ويركن إلى المراوغة ولا يتطرق إلى الجانب القانوني إلا في جينيريك النهاية كتابة ؟
الحل السحري لا يوجد وانا أقول في نهاية الفيلم لا توجد معجزات.. العقل، التفكير، الوضوح، القانون فوق الجميع والدولة المدنية هي الغالبة. هذه قراءتي.
القانون يفتح الباب لتحسين وضعية ما لكن الوضعية لا تتغير نحو الأفضل بالقانون فقط بل بالممارسات التي تتطلب وقتا لترسيخها وخطابا معينا للتعايش والتطور.
بعض القوانين تتطلب نصف قرن وأكثر لتؤتي وقعها.. ولكن تبقى وضعية المرأة في تونس برغم كل الإشكاليات أفضل بكثير منها عدة في دول عربية أخرى.. وفي الأخير تغيير القانون لا يخلق المعجزة.
الصراع الأزلي بين القانون والعقلية بشخصيات الفيلم مقتبس عن رواية “La marmite d’Ayoub”، إلى أي مدى كنت وفيا للنص الأصلي ؟
أنا أترك لنفسي كامل الحرية في الكتابة، والغريب في الأمر أنني حينما أقرأ النسخ السبع عشرة من السيناريو لا أميز بين ما كتبه الروائي محمد رضا بن حمودة وإضافتي. لقد تبنيت النص والشخصيات التي اقترحها صاحبه وما عدت أقيم تمييزا.
ولكي أكون وفيا للنص يجب أن أتعامل معه دون أي قدسية فلو كانت نظرتي للنص قدسية لظلمت الفيلم وظلمت القصة التي سأرويها.
شخصيات النص مركبة لا تترك ثغرة لتصنيفها لتبدو بمثابة العينة للمجتمع التونسي ؟
أنا قريب جدا من وجهة النظر التونسية البسيطة التي تتعامل مع الواقع ببساطة وبتسامح، وأغلب التونسيين محافظون في جوانب ومنفتحون في جوانب أخرى.
وحتى عندما انقسم التونسيون في فترات ووصلنا حد التصادم وكنا على وشك تجاوز ذلك، لم نتخل على القدر من التسامح الذي يسري في جيناتنا كتونسيين ولم تفلح أي محاولة في طمسه، وأنا أريد أن أذكر المجتمع التونسي أنه متسامح.
هذه الشخصيات أداها ممثلون تقمصوا أدوارهم بسلاسة، هل اخترت الممثلين بعد مرحلة الكتابة أم كتبت شخصيات لممثلين بأعينهم؟
منزلة بين المنزلتين، أنا أتفرج كثيرا في المسرح وأتابع الأفلام التونسية وأعرف الممثلين وأتابعهم لسنوات وأحيانا اعرف الممثلين وهم يدرسون.
ولا يمكن أن تعمل في هذا المجال في حال انك لا تمتلك التواصل مع الممثلين واعمالهم وقدراتهم.
وفي هذا الفيلم ظهر ممثلون في شخصيات خارج المعتاد ونجحوا في التعامل معها وهذا بالنسبة لي من أهم النقاط لأنني أشتغل على قدرة الممثل وليس على الشخصية النموذجية.
في التعامل مع الممثلين هل تترك لهم هامشا من الارتجال أم تتدخل ليكون الأداء مطابقا لما رسمته للشخصية؟
أتدخل في التفاصيل وأترك مجالا للحرية في الوقت نفسه، أنا بمثابة مدرب فريق كرة قدم أعطي لكل لاعب دوره في الميدان ودوره بالنسبة لبقية اللاعبين وأبني سيناريو للعب ومن ثم تأتي قدرة اللاعب وهي مبنية على السيناريو وأيضا على البراعات الفردية.
أنا أطرح وضعيات معينة وطريقة للتعامل معها ومع بقية الشخصيات وأرسم اتجاها معينا والممثل يواصل البناء وحينما يمر من نفس الاتجاه يكون العمل متكاملا بعد أن يكون قد وجد الممثل نفسه في وضعية يقدم فيها احسن ما لديه.
عصفور جنة التجربة الروائية الطويلة الأولى للمخرج مراد بالشيخ.. ماذا بعدها؟
الإخراج حياتي .. أنا مخرج أحب أن أروي حكايات وانطلاقتي دائما من قراءة للمجتمع التونسي من وجهة نظر معينة وأنا لا أخجل من القول إني مثقف أعيش في مجتمع أتابع كل يوم الوضع فيه وأقرؤه كما هو ومن ثم أستعمل آليات المثقف لفهم الوضع ورواية قصة وفق قراءة متكاملة يجتمع فيها السيكولوجي والسوسيولوجي والاقتصادية والفلسفي.
القائمة التقنية لفيلم "عصفور جنة" سيناريو: مراد بن الشيخ اقتباس حر عن رواية La marmite d'Ayoub" للكاتب محمد رضا بن حمودة صور: جپور جیو جیانو کارو مونتاج: أنس السعدي صوت طارق طيبة، أمال قمعون، جيان كارلو تورتورا موسيقى أصلية: ربيع الزموري ديكور : صوفي عبد الكافي إنتاج: سيني تيليفيلم وألفا مولتيميديا منتج شريك: "Le 15 SARL" بمساهمة المركز الوطني للسينما والصورة، وزارة الشؤون الثقافية - تونس، ومؤسسة "Fondation Apulia Film Commission" و"Puglia FESR FSE - Italic"