سنة أخرى تمر وذكرى أخرى تحل لملحمة بن بن قردان التي تذكرنا بأن تونس وإن نزفت فإنها تنهض دائما مبتسمة قوية شامخة مادام فيها نساء ورجال يبذلن الدم لكي تظل حرة أبد الدهر.
السابع من مارس من سنة ستة عشر وألفين، يوم تلاحمت أجساد المواطنيين من أعوان ديوانة وأمنيين وعسكريين ومدنيين لدحر خطر داهم لن يقتصر على بن قردان فحسب بل كان سيلقي بظلاله على كامل الجمهورية.
هذه الذكرى التي لا تسقط من ثقوب الذاكرة محملة بمشاهد عصية على النسيان إذ خضّب مواطنون تونسيون الأرض بدمائهم وفدوا الوطن بأرواحهم في حدث إرهابي مغاير لكل الأحداث التي عايشتها تونس في السنوات الأخيرة وإن كان لكل منها وقع اختراق الخنجر للقلب.
الأمر هنا يتعلّق بمحاولة احتلال بنقردان من قبل الإرهابيين وإعلانها “إمارة”، لكن القوات المسلحة والمتساكنين في محيط جامع جلال ببن قردان جعلوا من أجسادهم حصنا لحماية الوطن.
شهداء أسلموا أرواحهم هم يذودون على تراب الوطن، جرحى يحمل كل منهم علامة حبه لأرضه ووطنه على جسده، وأهالي الشهداء الذين قدّموا قطعا من أرواحهم فداء للوطن، صنعوا معنى آخر لحب تونس.
وحينما تعود بك الذاكرة إلى ملحمة بن قردان تستحضر الأيام الثلاث التي امتدت عليها ولم تستكن فيها القلوب إلا بقطع دابر الإرهابيين إذ واجه الأهالي بنسائهم ورجالهم وشيبهم وشبابهم أعداء الحياة بصدور عارية لكنّها عامرة بحب تونس.
هي ذكرى كسرهم لعظام “داعش” على أعتاب حلمهم بتكوين “إمارة” لهم في وطن قال عنه مبروك الموفّق والد سارة الموفّق أصغر شهداء ملحمة 7 مارس “وطني قبل بطني وبلادي قبل أولادي”.
وفي هذه العملية التي مثلت ضربة قاصمة للإرهاب وأصابتهم في مقتل، أصيب 36 إرهابيا إلى جانب اعتقال 7 آخرين في معركة تراصت فيها صفوف التونسيين الوطنيين وصارت فيها الموت هينة أمام حياة الوطن.
وأما القوات المسلحة من أمن وجيش فقط خسرت 12 بطلا رووا الأرض بدمائهم فصارت عصية على دوس من خان تونس فيما فدى 7 مدنيين بن قردان بأرواحهم وخضبت دماؤهم الثرى وحمل 27 آخرين جراحهم علامات على حب تونس..