بقلم: الروائية رانيا الحمامي
في صباح يوم السبت، 31 ماي 2025، التأمت ندوة فكرية في مدينة القلعة الكبرى من ولاية سوسة (تونس)، بحضور نخبة من الأساتذة والباحثين المهتمين بالشأن الصوفي من تونس وإيران، حول “التصوف النسوي وأبعاده الاجتماعية والثقافية”، نظمتها جمعية علوم وتراث بالقلعة الكبرى بالتعاون مع الجمعية التونسية للدراسات الصوفية.
الندوة:
تضمنت الندوة ثلاث جلسات علمية ترأسها كل من الأساتذة: توفيق بن عامر، ألفة يوسف، بثينة بن حسين، وحاتم بن عثمان، وشارك فيها كل من الأساتذة: أسماء خوالدية، ثرية بن مسمية، سارة حفيز، محمد الكحلاوي، صفاء بطي، أحمد بخاري الشتوي، أحمد رهدار، سعاد الجويني، مفتاح حلاب، عواطف ملاك، وعادل بن يوسف.
وقد تم التطرق إلى مداخلات ثرية حول الحضور النسوي في التصوف، وتموضع المرأة الصوفية داخل المسار التاريخي والاجتماعي والديني، ورمزيتها من خلال نساء صالحات مثل: رابعة العدوية، عائشة المنوبية، أم الزين الجمالية، أمين الأصفهاني، إيزابيل هارد، ومن خلال قراءة جندرية ورمزية للمرأة وللمؤنث عند المتصوفين، خاصة منهم الرومي، وابن عربي، والغزالي.
وكانت الندوة أعمق من مجرد حدث أكاديمي، فهي في الحقيقة دعوة إلى إعادة بناء الصورة الاجتماعية والثقافية للمرأة في المجتمع العربي من خلال بوابة التصوف.
المرأة في أغلب الملتقيات:
إن تناول موضوع المرأة في أغلب الملتقيات الفكرية والثقافية هو تناول دوني مقارنة بتناوله في المفهوم الصوفي، حيث يتم المطالبة بحقوقها كتمكينها السياسي أو المهني أو نبذ العنف المسلط ضدها، ما يعني أنها أقل منزلة وتسعى الى المساواة، في حين أن المرأة في المفهوم الصوفي مساوية للرجل، بل تصل مكانتها إلى الوجود نفسه. وهذه الرؤية والمفاهيم، التي ترجع إلى الدين الإسلامي، لم تُستثمر بعد كما ينبغي في مجتمعنا. فغالبية المدافعين عن حقوق المرأة يستندون إلى مصادر غربية، في حين أن مصادرنا الصوفية أعمق وأكثر إجلالا لمكانة المرأة.
من رابعة العدوية إلى فاطمة النيسابورية، ومن التجارب المغاربية إلى الشرق الإسلامي وإيران، برزت النساء الصوفيات مالكات للمعنى، والقوة، والنور الداخلي، والاتصال المطلق بالله، صاحبات طريق وحكمة، ومتلقيات للأسرار الإلهية والمعرفية، وواصلات إلى كل المقامات.
الجوهر:
إن الغوص في جوهر المرأة عند الصوفية هو استحضار لمكانتها كفاعل روحي وفكري ومعرفي، وهو في الآن نفسه إدراك أن الإنسان ذاته مؤنث ومذكر، لا يكتمل إلا باكتمال قطبي الأنوثة والذكورة فيه، فالمتصوف عبد سالك الطريق، امرأة أو رجل، ويقول محي الدين بن عربي:”إن الرجال الذين العرفُ عينّهم، هُمُ الإناثُ وهم نفسي وهم أملي”، حيث إن التأنيث، في جوهره، هو مكون جوهري من كينونة الإنسان- ذكر كان أو أنثى- والكون.
ويعرف التأنيث في جوهره كطاقة الانطلاق والبداية، فهو البذرة التي تنمو، وهو الولادة، في حين أن التذكير هو الحصاد والمنتهى والمآل. فكان في القرآن الخلق مؤنثا، والرجوع إلى الله والحساب مذكرا، وليس التذكير والتأنيث جندريين، فكلاهما يخص الإنسان، رجلا وامرأة.
على أرض الواقع:
يقوم التخطيط من أجل مجتمع متوازن على الموازنة بين المرأة والرجل، في مواجهة نمط سائد يحصر المرأة بين تناقضين: خطاب يُشيّئها باسم الحداثة، وخطاب يعزلها ويقمعها باسم السلفية الدينية. فنحن بحاجة اليوم إلى خطاب ثالث يمكن أن يستمد أبعاده من المفاهيم الصوفية للمرأة، التي تعيد إليها إنسانيتها، فلا تقاس قيمتها بمدى خضوعها أو تمردها، بل بجوهرها دون تقيد.
فصورة المرأة في أعماقنا العقائدية ومناهجنا الصوفية صورة نموذجية، يكفي إعادة بنائها للنهوض الحقيقي بوضعية المرأة اليوم في مجتمعنا وفي المجتمعات الأخرى. فهي صورة قابلة للاستثمار الثقافي، والتربوي، والإعلامي، بعيدا عما نعيشه من تشويه بصري ومضمون سطحي وتسليع ممنهج، وبعيدا عن الصراع بين شكلين من نفس واحدة: المرأة والرجل. فالثنائية خُلقت بعد الأصل الواحد.
تأصيل صورة المرأة الصوفية هو فعل ثقافي واجتماعي يحمل في طياته إصلاحا عميقا وجذريا، يحمل المصالحة والانفتاح والتجذر في اتصال أنثوي–ذكوري يقوم على الحب والحكمة، بعيدا عن الصراع والعداء والتحدي. حينها تكون المساواة نتيجة حتمية وليست هدفا نطمح له.

صورة من الندوة