رياليتي أون لاين/ جدة_ على إيقاع الحداء يتشكل السرد الصوتي والبصري لفيلم “هوبال” الذي يجمع المخرج عبد العزيز الشلاحي مع المؤلف مفرج المجفل للمرة الثالثة على التوالي حيث يقتفيان أثر الانعتاق من الانغلاق والتعصب وتجاوز رواسبه من عزلة وتستر بالكذب والزيف.
في قلب الصحراء توغل الحكاية زمن حرب الخليج الثانية ويظهر ذلك من خلال تواريخ مفاتيح تظهر على بعض المشاهد، في مراوحة بين الإخبار بإيجاز عنها والإمعان في سبر تجلياتها على المجتمع السعودي.
وسط بيئة منفتحة على الصحراء من كل زاوية، منغلقة على نفسها حتى تسطحت أركانها، تمضي الأحداث فيما يصدح صوت المالك بالهوبال وترد إبله لتخلق موسيقى تغزو الأثير وتتماهى مع الموسيقى التي وشخت بها سعاد بشناق الفيلم.
امتداد الصحراء في الفيلم يوهم بفيض من الانفتاح ولكنه في الواقع بعمق عزلة العائلة البدوية المتطوية على نفسها ومآسيها خوفا من الآخر واعتقادا بقرب نهاية العالم على أعتاب الحرب.
في الواقع يعرض الفيلم وجهة نظر لا تخص المجتمع البدوي في السعودية فحسب بل تنسحب على مجتمعات عربية أخرى إذ يسود اعتقاد بأن الحروب والمباني العالية بعض من علامات الساعة.
كليشيهات تحد من التفكير وتكتم الأنفاس أوردها الفيلم وهو يروي البيئة الصحراوية من وجهة نظر عائلة بدوية أثقلتها العادات والتقاليد وأرهقتها أحكام الجد ليام (ابراهيم الحساوي) الذي يغرق في عزلة تامة امتدت إلى الجيل الثالث من عائلته.
اعتقاد راسخ بقيام الساعة ينغص على العائلة حياتها ويسجنها في الصحراء بعيدا عن كل تمظهرات المدينة (الديرة) ولا شيء يكسره حتى اختبارات الموت المتكررة والمرض الزؤام الذي أفضى إلى موت حفيدته وألم بأخرى.
فيا تتخبط كل الشخصيات في صراعاتها الخاصة والبنية داخل سجنها المفتوح تتواتر المواقف شيئا فشيئا ويتبدد غموض الشخصيات ويتسلل وجعها من بين حروف اللهجة البدوية وتتشكل فكرة الانعتاق في ذهن سرّا (ميلا الزهراني).
سرّا شخصية مركبة يتجلى في عينيها التمرد ويرتسم على محياها الخضوع لكنها تكسر حاجزه وهي تحاول تخفيف المرض عن ابنتها “ريفه” (أمل سامي) المحبوسة في خيمتها خشية أن تنقل العدوى للبقية.
كلما اشتد المرض بالطفلة التي تأبى أن تلقى مصير ابنة عمها التي أخذها المرض، استعرت شعلة الثورة في النفوس أكثر فأكثر حتى توهجت ذات فجر ورأت النور على يد الطفل عساف ( حمد فرحان العنزي).
قبل أن تتحقق الثورة شهدت العائلة تحولا جذريا صنعته الطبيعة حينما أرسلت جندا من جنودها إلى عزل “ريفه” وكسرت عناد الجد “ليام” الذي ولى من يومها وظلت إبله تملأ الدنيا رغاء.
فيما الكاميرا تستنطق جمالية الصحراء صوتا وصورة في صحراء “بجده” في نيوم وأجزاء منه في محافظة رماح التابعة لمدينة الرياض، تتأرجح أطياف القسوة على وقع الحرب الخليج وتحاول الشخصيات المرتبكة تخفيف وطأتها.
نزعات الانعتاق تتسرب من محاولات الشخصيات غير المنقطعة في إيجاد نقطة التقاء بين الاحترام إلى أوامر رب العائلة وبين الاستماع إلى صوت العقل والقلب في علاقة باختيارات مصيرية.
كل الشخصيات مركبة تتجاذبها التناقضات بين ما تظهره وما تضمره وفي جراب كل منها حكايات دفينة تنفض عنها تراب القبر وتتهاطل فيما تتكشف مساراتهم وتتعرى سيرهم ويلحق كل منهم الخلاص.
في منزلة بين الانفتاح والانغلاق تقف كل الشخصيات فيما يمضي الوقت استنادا إلى أخبار حرب الخليج الثانية التي لم تغير معادلات سياسية فحسب بل خلقت حالة من الصدام الثقافي والاجتماعي هزت، إثرها، رياح التغيير العادات المتجذرة.
بينما تتعثر العادات وتتحرر الأصوات من حناجرها تظهر مفارقات عدة في الفيلم من ذلك أن “معتوقة” (راوية أحمد) الشخصية الوحيدة التي تمتلك سلطتها على نفسها تجد ملاذها في السجن الكبير الذي صنعه الجد “ليام” ولا تغويها فكرة الانعتاق لكنها تفعل من أجل نجاة طفل من موت محتوم.
كما تنساب رمال الصحراء دون حاجز تناثرت خبايا العائلة وتخطت كل الشخصيات غموضها وكل منها تحاول أن تشبه نفسها التي تراوح بين ما تخفيه وما تظهره واتخذت الأحداث منحى دراميا تشكلت فيه ملامح حرية تمتد بين الموت والحياة.
وفي رحلة البحث عن معنى للحياة بعيدا عن الصحراء تحفر كل الشخصيات في ماضيها وتبوح بنا يعتمر صدورها من خلجات وهواجس وتتخفف من أعبائها فيما تسبر الكاميرا أغوار العيون المتقدة من خلف البراقع ونبض القلوب المستكينة إلى ضلوع اختنقت بأسرارها.
استنادا إلى نص تتحرر على وقعها الشخصيات تباعا فيما تتلاشى هالة الوهم التي أحاط بها نفسها وهي تحاول طاعة كبيرها الذي علمها أن الصحراء جنة حرمت على كل من أبى واستكبر وتحصن بالديرة ورام ضنك العيش أو اختار الموت.
وفيما تتكشف الحقائق وتتهاوى كل الأكاذيب يتكثف البوح وتحاول الشخصيات التصالح مع ماضيها وصياغة حاضر جديد لا قيود فيه ولا حواجز يرتئب الصدع الذي ضرب جسد العائلة الواحد حتى ينتفي ذلك على حافة الموت ؛ الحقيقة المجهولة التي أنهت الحصار.
فيلم هوبال المخرج : عبد العزيز الشلاحي المؤلف: مفرج المجفل الممثلون والممثلات: إبراهيم الحساوي في دور الجد ليام، ومشعل المطيري في دور الابن شنار، إلى جانب ميلا الزهراني في دور سرّا، وحمدي الفريدي في دور بتال، حمد فرحان في دور عساف، وأمل سامي في دور ريفه. ويشارك في الفيلم أيضا الممثلون مطرب فواز، عبد الرحمن عبدالله، دريعان الدريعان، ريم فهد، نورة الحميدي، وراوية أحمد، ورغد الحربي مع عدد من الأطفال، وهم أنس عايد، نورسين، ويزن العطوي. فيلم هوبال من إنتاج استديو شاف وإنتاج مشترك مع فيلم كلينك وشبه الجزيرة للإنتاج الإعلامي (PP Group) وإنتاج شريف المجالي، مع إنتاج تنفيذي لعبد العزيز الشلاحي ومفرج المجفل ومحمد التركي ورياض الزامل والفيلم مدعوم من صندوق ضوء لدعم الأفلام، وهيئة الأفلام وبرنامج جودة الحياة، ونيوم وبمشاركة شركات عديدة في القطاع الخاص.