عكس ما قد يتصور البعض، أخطر مناصري الرئيس قيس سعيد ليسوا هؤلاء النكرات، الذين لا مصداقية لما يتقيؤون من ثرثرات لا قيمة لها. أخطر مساندي الرئيس هم القلة القليلة ممن لهم تاريخ نضالي ولهم القدرة الفائقة على الحديث الجميل الذي يصلون به أحيانا إلى حدّ إقناعك بأن الأسود أبيض والأبيض أسود.
أحد هؤلاء (وأنا أكنّ له احتراما شديدا) وصلت به القدرة على الخطابة إلى حد اعتبار أنه لا مجال لأي تأويل لكلام الرئيس الواضح والمعقول (في رأيه) ومفاده أنه لن يسلّم السلطة إلى من لا وطنية له.
لا صديقي المحترم. الجملة التي مفادها أن الرئيس سعيد لن يسلم السلطة لمن لا وطنية له لها ثلاثة تأويلات على الأقل:
الأول: أنه سيترشح للرئاسة حتى وهو غير راغب فيها إذا ترشج من يراه غير وطني ويخشى فوزه بها..
والثاني أنه سيسنّ قانونا انتخابيا (بمفرده كما فعل عند كتابة ما هو أهم ألا وهو الدستور) يمنع من الترشح كل من مافتئ ينعتهم بالخونة..
والثالث أنه لو يهزمه أحدهم في الانتخابات، ممن طالما عارضوه، فإنه لن يعترف بنتيجة الانتخابات وسيواصل حكم تونس..
وهذان التأويلان الأخيران (الثاني والثالث) أزعم أنهما سيأتيان على ما قد يتبقى من أمل في الخروج بالبلاد من المآزق التي تتخبط فيها..
وما أنصج به هؤلاء المساندين (المحترمين جدا) للرئيس قيس سعيد هو أن أن ينصروه ظالما لا مظلوما. وأحيلهم هنا على المقولة العربية الشهيرة "اُنصر أخاك ظالمًا، أو مظلومًا" إذ يقال إن الرسول (ص) سأله عنها بعضهم قائلين: "يا رسول الله، أنصر أخي ظالما واضح، لكن كيف أنصره ظالمًا؟" فقال: "تحجزه عن الظلم فذلك نصرك إياه"، أي لا نتركه يتمادى في الظلم.
فخير مساندة للرئيس قيس سعيد هي أن يقنعه هؤلاء المساندون بأن طريقة التفرد بالحكم التي ينتهجها (والتي هي ضرب من ضروب الظلم) وإن كان الداعي إليها نوايا حسنة، فإنها لا يمكن أن تؤدي بالبلاد إلا إلى مزيد من الأزمات..